لم لا - أوقات جميلة لأخطائنا النضرة، تأليف زياد خداش
 
English

الرئيسية
عن لم لا؟
اسئلة متكررة
إتصل بنا
قواعد النشر
خارطة الموقع

منوعات

ربّي المخ قبل اللحية



حلول طريفة للقضية الفلسطينية



طرح عطاء لإنشاء دولة فلسطين



السيرة العجيبة للتواصل الاجتماعي؟



كنيسة جوجل!



استغفلونا ونحن صغار


هللويا فلسطين: البابا محمود عباس



فكّر خارج الصندوق ... روعة التفكير



المجدرة والمناقيش والمغربية ... أكلات فلسطينية



تسليات علمية



ثورة "سلو" دعوة تمهّل لعالم ذاهب نحو الهاوية


هل تصدق الرياضيّات؟


تمثال إمرأة فلسطينية


خطبة الهندي الأحمر الأخيرة



الجمعية الفلسطينية لتطبيق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية


رسومات

تنويعات على العلم الفلسطيني




الرئيسية > كتب جديدة >

أوقات جميلة لأخطائنا النضرة، تأليف زياد خداش

 
أخطاؤه النضرة
زياد خداش وهو يخون السياق المدرسي المجرم
لكلمدرّس قصته وغصته مع مناهج المؤسسة التعليمية ووصاياها، وله مغامراتهأيضاً مع طلابه، فقد انتبه غسان كنفاني ذات يوم على خطيئة ازدرائه لطلابهالمعدمين، الذين يحضرون إلى المدرسة بملابس متسخة ومهترئة، فكفّ عنتوبيخهم بمجرد أن اكتشف أنهم أبناء مخيمات الفقر والبؤس. أما زياد خدّاش،المسكون بالإبداع، ومعاداة الأنظمة المعنية بتعليب الكائن، فقد تفنن فيالبحث عن (طرق ثقافية لقتل القتل). أي تحرير فضيلة التدريس من وظائفيتهاالمميتة، حيث حُكم عليه بممارسة مهنة هي بمثابة (جريمة بحق أجسادنا أولاً،وقتلاً واغتيالاً لروح الإنسان فينا وإمكانياته). وبموجب هذه المفارقةجادل ورطته التربوية في كتاب صادر عن مركز القطّان للبحث والتطويرالتربوي، في رام الله، بعنوان (أوقات جميلة لأخطائنا النضرة – نصوص فيخيانة السياق) الملحق بلافتة تفسيرية دالّة (الكلام الصفي وقصة إنتاجهتعبيراً) والمزيّن بغلاف ولوحات داخلية معبّرة للفنان جاد سلمان.
ولأنهضد كل ما يمكن أن يعطّل الحواس باعتبارها مجسات حضور الكائن البشري، حاولبكل ما أوتي من حب لنص الحياة أن ينزاح عن خواء الممارسات التربويةالتلقينية، القائمة على أسلوب التعليم البنكي، إلى مفهوم (التعليم كممارسةللحرية) كما بشر به بول فرايري، صاحب مشروع ونظرية (تعليم المقهورين). كمابدا رفضه واضحاً تحت عنوان (تجربتي في تدريس الكتابة الإبداعية للصفالسابع) حيث تجاوز مفردة (التعبير) إلى ما سماه (كتابة إبداعية). وهوانزياح لا يكتفي بملامسة مظاهر فكرة (الإنشاء) بل يزعزع جذورها، ليلغىهبائية الاستساخ الذهني. وقد عنى بها تلك (الكتابة التي تقع خلف السور) التي تقفز بالكائن إلى ما وراء المحرمات الثقافية، وتحرّر خياله منالقيود، بالإضافة إلى الموسيقى بما هي أخطر المفاهيم التي (تدرب الذهن علىالقفز على أسواره المرسومة له) وتأخذ الكائن إلى أعماقه. حيث الحافة التيينفصل فيها (المألوف عن الغرائبي، والواقعي عن الخيالي). ومن ذات المنطلقالتدميري عبر بطلابه إلى ما يخافونه ويجهلونه ويخجلون منه، من خلال حواريةواقعية معهم، تقوم على التشارك والتجادل الخلاق معرفياً وجمالياً، بعد أنألغى بشكل طوعي تفويض المؤسسة له -الرمزي والمادي- بتلقين طلابه خامالمواد التعليمية، وصولاً إلى حالة من التكاذب التي تمكّن الذات من تخطيالحدود واكتشاف ممكناتها ومواطئ أقدامها في لحياة.
وفيمايشبه التفكيك للمناهج التي تقوم على وهم المثاليات المحنّطة، يحاكممؤلفيها الذين خططوا وقرروا إخصاء المخيلة، حيث يرفع لافتة احتجاج محقونةبعبارات صاخبة (حرب ضد اليباب، حرب ضد التسطيح – إعدام الخيال في منهاجاللغة العربية). وبمقتضاها يجادل معضلة النمو اللغوي، المحكومة بمضامينمتخثرة، تخلو من الجرأة والحيوية، وتفتقر إلى رحابة التعبير، بل تمنعالطالب حتى من مصادقة اللغة، إذ لا يوجد في تلك المناهج سوى الموضوعاتالجاهزة، التي تولّد بدورها الكلمات المصنوعة بأناقة لفظية، والأفكارالبائتة، المستنقعة في التقليدية. ومن ذلك المنطلق صار يدك حصون الأسلافبمساعدة طلابه، أو من يسميهم جنوده، ليمارسوا الأحلام داخل نصوصهم بمنتهىالحرية، وليخترقوا الوصايا، وينقلبوا على الخوف، وينعتقوا من العبودية.
وعلىطريقة جان جينيه، الذي حرّض طلاب الإصلاحية على التمرد، وتدمير نظامهاالقائم على مصادرة الذات، بدل أن يعزز فيهم روح الولاء واحترام النظام،كما توسّم فيه القائمون عليها باعتباره أحد أبنائها، قرر زياد خدّاش أيضاًتفكيك تلك المنظومة القاهرة، فيما وضعه تحت عنوان (جماليات التخريب وسحراللامتحقّق – تدريبات صفية على ممارسة القفز من النوافذ وعناق الحلم) حيثدفع طلاب صفه للتمرد، وقادهم بنفسه للفرار من المدرسة عبر نافذة الفصل،واهباً إياهم (حق التجريب وممارسة الأخطاء). غير آبهين بصيحات المدرّسينالإمتثاليين، الغاضبين من فعلته المناقضة لكل المقومات التربوية، وبدونأدنى استجابة لتوسلات مدير المدرسة الذي كان يرجوه أن يتراجع لئلا ينحرجمع ضيوفه، فيما كان هو يغرس في طلابه فكرة الجنون، وتحطيم الحدود، وارتيادالآفاق اللامتوقعة، والسخرية بلا مبالاة من التهديدات المنهالة عليهم منكل صوب، أي الإمعان في التخريب الذي صار يكتسي لحظتها معنى تحطيم السيء.
هكذاأخذ نصه القائم على امتزاج الرومانسي بالثقافي، يتنامى سردياً ليؤسس صدمتهالجمالية، فيما يصعّد من الوجهة الموضوعية روح التحدي وكسر الإعتيادي،وكأنه يشدّد على إعلان انتمائه لسلالة المعلّمين المحتجين على كل ما يمتللنظام بصلة، لدرجة أن التمرد تحوّل عنده من مجرد نزوة أو نزق إلى مبدأتقويضي، أو ما سماه (اعتناق عقيدة التجاوز في البحث عن الكلام الضائع) كماحاول اختبار ذلك الاعتقاد وتصديره لتلامذته في (تجربة في تدريس نص) حيثوقع الاختيار على نص محمود درويش (ورد أقل). والذي بموجبه شكّل مختبرهالمكون من عشرة طلاب ممن يحبون الأدب، وقرر معهم الإطاحة بطريقة التفكيرالقديمة، ونسف حصون المعاني المكررة، وابتكار مفاهيم مفتوحة وقابلةللتجديد، إذ حاول وصل الشعر بالواقع، وإيجاد ما يكفي من الوشائج بينالكلمات وغريزة حب الحياة، فكانت القصيدة المكتظة بمفردات الموت والنخلةوالأغنيات والغياب والتراب بمثابة تمرين على التفكير في حياة مغايرة.
إنهكتاب وقائع لا يعوزها التخيُّل، أو ما وصفه بالتحليق غير الشرعي (فوق جبلالثلج المسمى مدرسة) فكل حكايات الفضاء المدرسي ويومياته أرادها مادةقابلة للتداول مع  طلبته لتوسيع معيارهم الأخلاقي والجمالي، من خلالمحاورتهم بحرية تامة، وتدريب عقولهم الصغيرة على التفلسف، لتوليد شكل جديدينتصب بموجبه السؤال، والنظر إلى الوقائع من زاوية مغايرة لجاهزيةالواقعة، حيث فتح معهم مائدة سجالية  حول (حكاية أيمن الطالب المذعور الذيضُبط في الصف يتحسس جسده) ليتعرفوا على أهم محظوراتهم، بما هو -أي الجسد- أهم بنية رمزية ومادية يقيمون فيها، وعليه صار ذلك النسيج يتمظهر من خلالإجاباتهم ووعيهم الطري بوصفه (ورطة، متعة، سر، إطار، سؤال، عذاب، جمال،خيانة). ثم أخذ يتشكل في أبعاد أكثر تعقيداً وقابلية للمقاربة بعد أن طلبمنهم إعادة صف الكلمات تلك في جمل مفيدة، لدرجة أنهم أبدوا من التعاطف معأيمن ما يكفي لصد لعنات المدرّس وتقريع المدير.
ويبدوأنه إراد أن يكون كتابه بمثابة درسٌ في الدّرس، حسب تعبير بيير بورديو، فيفك الإشتباك ما بين الرمز والسلطة، في تعرية سوسيولوجيا النظام التعليميالخائب وعدم قدرته على تخليق الذات الجمالية العارفة، الأمر الذي يفسرشكله الكتابي كمقتطفات من سيرة كائن مهجوس بإعادة تركيب خطاب الحياة، كمايأكد هذا الهاجس عند ملاحظة كثرة الطرق على التحريض، أو تلك هي طريقته فيتعليم طلابه شاعرية العلاقة بين الشجرة بالمرأة، ومطاردة الدهشة، وتفسيرالمعنى الخفي بين الأطفال والبحر والكتابة، وحب الآخر، واحترام الأديان،وعدم الخوف من المختلف، وعشق التنوّع الذي يعطي الشعور بالتنقل، وعدماستشعار أي تناقض بين فلسطينيتهم وإنسانيتيهم، من خلال ما يدفعهم لاشتقاقهمن تداعيات غامضة وقابلة للمجادلة في (أجساد وحكايات) حيث يسرد حكايةعطية، تلميذ الصف الخامس الذي حرضّه على أن يرقص رقصة الخوف من الليلمقابل أعضاء نادي الجسد، كما رسم مشهد الاحتفال بكسر حاجز الخوف، بعباراتشاعرية (هشاشة تنظر إلى هشاشة. حكاية تتأمل حكايات). ومن ذات المنطلق يروي (حكاية معلم الفن المجنون ذي العينين المشجرتين وطلابه الذين اختفوا فجأة) ويصفه بالكائن المجنون الذي يتعاطى التحريض على التحول والذوبان فيالأشياء سبيلاً للتعلم والحب والحياة.
هنا مكمن قوةالخطاب الذي يقرأ نفسه، المستمد بشكل تطبيقي من بعض الكلام الصفي، كماأخبر بها المدرّس الذي درّب طلابه على مواجهة هواجسهم، وألا يخجلوا منإبداء أحاسيسهم، أو الخوف من أن يُقبض عليهم متلبسين بمشاعرهم، وبالتاليلم يكن بمقدوره هو الآخر إلا أن يكون أمثولة حية لما نادى به،  كما أبانعن شفافية حضوره النفسي والجسدي في (اعترافات مدرّس تمدّد على الأرضواستسلم للشمس لتنهشه). كما صمّم على أن يتباوح به مع طلابه كل أسبوع، فيالحصة السرية التي ابتكرها واستلها من برنامج الدروس. ولم يكن يبالي بأنيفصح عن إنسكاراته، عندما واجههم بعبارات تنم عن شجاعة المهزوم (سأدلقخيبتي أمامكم، كما علّمتكم أن تفعلوا). بل انه لم يخجل من مكاشفتهم ببعضحميمياته، لدرجة أنه عندما أسرف في فتح خزان ذكرياته العاطفية لمح أحدالطلاب دموعه فهمس لجاره (أنظر عيون الأستاذ...ثمة لمعان مبلل. هل تراه؟).
لم تكن فكرة خيانة السياق مجرد قصص متخيّلة أومختلقة، بل وقائع من الفضاء المدرسي أعاد زياد خدّاش تنصيصها برهافةلغوية، وفي لوحات تعبيرية مفتوحة للتأمل وعصية على التجنيس، وهنا مكمنلذتها كنصوص، حيث تتطابق ذاته مع منطوقها بلا احتراز ولا تردد، كما يؤكدهذا التمازج بين المكتوب والمعيوش في نص الحياة بقوله (مرّ أمامي شريطالحوارات التي أجراها معي صحافيون حول علاقة نصوصي القصصية بحياتيالشخصية، كنت أجيبهم أنا نصوصي ونصوصي أنا). وبموجب هذا التصريح الباتر،يمكن استيعاب ما كان يعانيه ككائن جمالي في محاولته الثورية الدؤوبةلاستزراع جينات التمرد في نفوس وأجساد طلابه، لينتفضوا على بلاداتالإعتيادي، كما يمكنالتقاط هذا الهاجس في عباراته المعجونة بالتململ (بدلاً عن التباكي على فساد نظامنا التعليمي والتربوي، وبدلاً من التذمراللامجدي من بلادة المنهاج وغبائه، أجد نفسي متمرداً على كل شيء: علىالمنهاج، على المفتش، على المدير، على نظام الجلسات في الصفوف، وحتى علىلون الستارة في الصف...)
ومن ذات المنطلق العصيانييمكن فهم النهاية الكارثية بمعناها الافتراضي، التي جاءت بما يشبه مشهدالغضب الطلابي في فيلم آلن باركر الشهيرTHE WALLفبعد أن تشبّع طلابهبتعليماته إلى حد لم يكن يتصوره، قرروا جمع برابيج المعلمين التي يضربونبها الطلاب، ورمي الطباشير، والبدء بثورة التخريب إلى الأحسن، أي تجريببعض حداثته وجنونه، والإحتفاء التطبيقي بجسديتهم، كما علّمهم،  وحينها بداوكأنه استيقظ من حلم عنوانه (طلابي الانتحاريون يحتلّون المدرسة) حيث باتوجهاً لوجه أمام نتائج تربيته المتطرفة التي أدت إلى انجرافات غير محسوبة،ولم يكن بمقدوره آنذاك إلا موافقتهم وإبداء الحماسة لفكرتهم، وهو أمر غيرمستغرب من المدرّس العدمي الذى قوّض الأسباب لصالح الفوضى، الذي دخل ذاتيوم على طلاب الصف التاسع قائلاً لهم (إني لا أمتلك مزاجاً للتدريس هذااليوم، دعونا نتواطأ مع جمالنا الداخلي ونخون سياقنا المدرسي المجرم). وهكذا أغواهم بالتواطؤ معه على إلغاء الحصة والإستماع لفيروز.
عن جريدة الرياض – الخميس 11 مارس 2010


developed by InterTech