بقلم د. شريف كناعنة، منشورات مواطن، رام الله، فلسطين، 2010
يدرس الكاتب، فيما يدرسه، النكات السياسية الفلسطينية، ومنها:
إبّان الحرب على العراق، كتب العراق على علمه: الله أكبر، والأردن: الله يستر، وإسرائيل: الله معنا، والفلسطينيون: الله بعوّض!
وجاء في تقديم د. مصلح كناعنة للكتاب:
يحوي هذا الكتاب ثلاثة وأربعين مقالا مما ألـّفه عالم الإنسان وباحث الفلكلور الفلسطيني المعروف الدكتور شريف كناعنة، كمحصلة لأربعة عقود من البحث الجاد والفكر الملتزم. ولقد تم اختيار هذه المقالات دون غيرها بحكم كونها تدور حول الثقافة والتراث والهوية، حيث أن هذه المواضيع الثلاثة هي في الواقع جوانب مختلفة لنفس الموضوع، أو هي من وجهة النظر الفلسفية ثلاثة نظم تجريدية لنفس الواقع الإنساني، والمتخصصون في العلوم الإنسانية (وفي الأنثروبولوجيا وعلم النفس على وجه الخصوص) يعرفون أن الثقافة والتراث والهوية هي ظواهر إنسانية متداخلة ومتلازمة بحيث لا يمكن الفصل بينها إلا تحليلياً ولغرض الدراسة والتنظير، وأنه لا يمكن تناول أحد هذه المواضيع الثلاثة دون التطرق إلى الموضوعين الآخرين.
هذا في الحقيقة هو التفسير والتبرير للنظام الذي اعتمدته في هذا الكتاب، فبعد المقالين الأوليين اللذين ارتأيت أنهما يعرّفان المؤلف ويحددان موقعه بالنسبة لموضوعه وعلاقته الفكرية والنفسية والحياتية بما يبحث فيه، تأتي بقية المقالات موزعة إلى ثلاث مجموعات يشكل كل منها قسما من الأقسام الرئيسية للكتاب: الثقافة، والتراث، والهوية. وترتيب هذه المواضيع الثلاثة بهذا الشكل ليس عفوياً، وإنما هو نابع من التوجه التحليلي المطروح في مضمون المادة نفسها، فمن خلال القراءة المعمقة لمجمل المادة يتضح أن المؤلف يعتبر أن الثقافة هي الأساس، فالثقافة هي التي تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية، وهي في نفس الوقت الحلقة الأوسع التي تحتوي في داخلها على كل جوانب وعناصر ومجالات الواقع الإنساني المـُعاش. ثم يأتي التراث كعنصر ملازم للثقافة يُنتجها ويَنتج عنها، وهو ذاك العنصر الذي يعطي للثقافة تجسيدا وفاعلية من جهة، وثباتا واستمرارية عبر الزمن من جهة أخرى. وعلى هذا الأساس من فهم الثقافة والتراث يمكن فهم الهوية، فالهوية هي تعريف الإنسان لذاته (وتعريف الآخرين له) من خلال انتمائه إلى الوحدات المختلفة التي تكوّن المبنى الاجتماعي للمجتمع الذي هو عضو فيه، في حين أن الثقافة هي التي تحدد المبنى الاجتماعي بمختلف وحداته ومستوياته، وهي التي تحدد مواقع الأفراد في شبكة العلاقات الاجتماعية التي تكوّن نظامه الاجتماعي. أما التراث فهو مجمل الرموز التي "تحمل" الهوية وتمثـّلها وتجسدها وتعبر عنها، وهذه الرموز تستمد معانيها وشحناتها العاطفية من الثقافة. وبهذا المعنى نستطيع أن نقول أن التراث يتوسط ما بين الثقافة والهوية، فهو يستمد من الثقافة أشكاله ومعانيه، فتستمد الهوية منه حدودها ومضامينها. والقسم المخصص للتراث في هذا الكتاب يقع في الواقع في الوسط بين الثقافة والهوية لكي يؤدي هذه الوظيفة ويوصلنا إلى الغاية الأسمى التي كرس المؤلف حياته من أجلها، ألا وهي الحفاظ على الهوية الفلسطينية وحمايتها من الأخطار الجمة التي تحيق بها وتهدد وجودها. إلا أن القارئ سيكتشف خلال قراءته لهذا الكتاب أن هذا التقسيم تحليلي وتنظيمي فقط، وأن الفصل بين المواضيع الثلاثة بهذا الشكل الحاد لا يلغي العلاقة الموضوعية الفعلية بينها، لا في الواقع الإنساني المـُعاش ولا في ذهن الباحث الذي يدرسه ويكتب عنه. ولذلك فسيجد القارئ أن المقالات المخصصة للثقافة تتطرق إلى التراث والهوية، والمقالات المخصصة للتراث تتطرق إلى الثقافة والهوية، والمقالات المخصصة للهوية تتطرق إلى الثقافة والتراث، وما الفصل بينها إلا من باب التركيز على جانب من هذه الجوانب في كل قسم. وبما أن هذا الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي كـُتب كل واحد منها على حدة وبمعزل عن المقالات الأخرى، فإن التكرار والتداخل، وإدخال نص من مقال في مقال آخر، هو أمر لا يمكن تلافيه في كثير من الأحيان. ولقد حاولت كل ما في وسعي للتقليل من هذا التكرار إلى الحد الأدنى، إما عن طريق جمع مقالين في مقال واحد أو عن طريق عطف مقال على مقال آخر. وأما ما تبقى في الكتاب من تكرار وتداخل على الرغم من كل هذا الجهد، فعلى القارئ أن يتقبله على أنه مؤشر على الطبيعة الخاصة للظاهرة المبحوثة ذاتها.
إن العديد من المقالات التي يتضمنها هذا الكتاب كانت قد ألفت بالإنجليزية في الأصل ثم ترجمت إلى العربية فيما بعد، وقد قام بترجمتها أشخاص مختلفون وليس شخصا واحدا، ولذلك فإن لغة هذه المقالات تختلف من حيث المتانة والأسلوب باختلاف المترجم ومقدرته اللغوية وأسلوبه في الصياغة باللغة العربية. ومع أنني لم أتدخل في نص هذه المقالات بشكل جذري، إلا أنني حاولت من خلال بعض التغييرات الطفيفة أن أوحـِّد أسلوبها وأقرّبها إلى بعض من حيث المستوى اللغوي بحيث تصبح متشابهة بقدر الإمكان. أما المقالات التي كانت قد ألفت بالعربية في الأصل، فإن أسلوب الكتابة في اللغة الإنجليزية يطغى في بعض الأحيان على النص العربي (خصوصا فيما يتعلق بفصل الجمل وربطها عن طريق استعمال الفواصل والنقاط وأدوات العطف)، وذلك يعود حصرا إلى تعوّد المؤلف على الكتابة بالإنجليزية أكثر من تعوده على الكتابة بالعربية، وفي مثل هذه الحالات كان لا بد من إدخال بعض التعديلات الطفيفة من أجل تغيير المبنى اللغوي إلى ما هو مقبول وشائع ومعتاد في اللغة العربية. ثم إن كل من يعرف الدكتور شريف كناعنة عن قرب يعرف أنه لا يستعمل الحاسوب أو الآلة الطابعة بنفسه، بل إنه يكتب نصوص محاضراته وأوراقه البحثية بخط اليد ثم يسلمها لأحد معاونيه أو إحدى السكرتيرات في المؤسسات التي يعمل فيها لطباعتها على الحاسوب. وبما أن هؤلاء المعاونين يعيدون كتابة نصوص ليست لهم (وفي بعض الأحيان لا يكون الموضوع قريبا من تخصصاتهم)، ويفعلون ذلك بشكل آلي محض، فإن النصوص المطبوعة التي سلمت إليّ لإعداد هذا الكتاب كانت تزخر بالأخطاء المطبعية والهجائية، إضافة إلى إسقاط الفواصل والنقاط أو وضعها في مواضع خاطئة. ولقد استغرق مني تصحيح هذه الأخطاء الكثير من الجهد والوقت، ولن تأخذني المفاجأة إن اكتشف قارئ أنني غفلت عن بعضها سهوا. ومما استغرق مني جهدا كبيرا كذلك توحيد خطوط الطباعة، وحجم الخط، وتوزيع الفقرات، والهوامش، وأسلوب ترقيم البنود وفروعها وغير ذلك.
سوف يلاحظ القارئ لهذا الكتاب أن هناك فرق شاسع بين المقالات المنشورة فيه من حيث منهجيتها في طرح المعلومات، ومن حيث درجة التعقيد أو التبسيط فيها. فبعض هذه المقالات هي مقالات أكاديمية منشورة في مجلات علمية محـَكـّمة، وفي هذا النوع من المقالات يكون الحديث موجها إلى جمهور من الأكاديميين المتخصصين الذين يشاركون المؤلف معظم بديهيات حقله ونظريات علمه ومقولات معرفته، ويكون منهجها معتمدا على النقاش النظري التحليلي من أجل الإقناع الفكري للوصول إلى إثبات بعض "الحقائق" وتثبيت بعض الفرضيات. ولذا فإن القارئ العادي (أي غير المتخصص أكاديميا في هذا الحقل) يجد بعض الصعوبة في فهم مقال من هذا النوع واستيعاب المقصود منه إنْ لم يكن هناك ما يفسره ويشرح تفاصيله ويعطي للقارئ ما يحتاجه من بديهيات الحقل ومسلمات الموضوع، وهذا كله متوفر بغزارة في بقية مقالات الكتاب، ولقد تعمدت أن أضع هذه المقالات الأكاديمية المتخصصة في نهاية كل قسم حتى يكون القارئ العادي قد اكتسب ما يحتاجه من المعرفة بأساسيات الموضوع. أما ما تبقى من مقالات في الكتاب فهي إما نصوص لأوراق قدمها المؤلف كمحاضرات في مؤتمرات أو ورشات عمل محلية أو عالمية، وإما مقالات أعدت للنشر في صحف محلية أو مجلات غير محـَكـّمة، وبالأخص مجلة "التراث والمجتمع" التي تصدر عن "مركز دراسات التراث والمجتمع الفلسطيني" ويرأس المؤلف نفسه هيئة تحريرها. في كلا هذين النوعين من المقالات يكون الحديث موجها إلى الجمهور العام، وإلى الناس عامة بمختلف نزعاتهم واهتماماتهم وخلفياتهم المعرفية، وتكون الغاية منها إيصال المعلومة من خلال الشرح ونشر المعرفة من خلال التفسير، من أجل إحداث التغيير في الواقع فلسطينياً وعربياً وعالمياً. هنا تبرز طبيعة الدكتور شريف كناعنة كمعلم مارس التدريس لأكثر من نصف قرن ولا يزال، وهنا تبرز براعته التي لا تضاهى في تبسيط المعقد وشرح المُرَكب وتفسير الغامض، وتعقـُّب ظواهر الحاضر وعناصره إلى بداية البدايات.
إن في هذا الكتاب منفعة لا تقدر بثمن للمهتمين بالثقافة والتراث والهوية كحقل من حقول المعرفة على المستوي النظري، وللمهتمين بالثقافة والتراث والهوية الفلسطينية بالذات والعربية بشكل عام، ولكل من يريد أن يتعمق في واقع الحالة الفلسطينية ويساهم في رسم مصيرها وبناء مستقبلها.
الكتاب:
دراسات في الثقافة والتراث والهوية
بقلم د. شريف كناعنة
منشورات مواطن، رام الله، فلسطين، 2010
ISBN:978-9950-312-60-9