ترفع الجماعات الإسلامية التي تزعم أنها جاءت لإنقاذ البلاد، بعد ما حاق بها من ظلم وقهر ونهب للثروات، شعار الإسلام لتكسب الجمهور الذاهب لصناديق الاقتراع. شعار الثوار الليبيين بأن المرجع الأساسي للحكم هو الإسلام، لم يجد أفضل تفسير له سوى بتعطيله قانون الزواج من أربع، أما الحزب الإسلامي في تونس الذي فاز بأغلبية فقد تمدن حتى صار ليبرالياً نزولاً عند رغبة الجماهير، فالمتحدثة باسم حزب النهضة امرأة غير محجبة والمرشح الذي تحدث للتلفزيون في القناة الأوروبية، قال إنه لا يشرب الخمر، لكنه لن يمنعها فهذه حرية شخصية، كما قدم الحزب وعوداً بأن لا تمس مكتسبات المرأة في مدونة الأحوال الشخصية، وما فيها من مساواة مع الرجل.
هل هذه البادرة من حزب إسلامي «ملاغاة» للشارع، لأن الحزب التونسي كما يقولون لن يستطيع في مجتمع تربى على العلمانية نصف قرن أن يقبل نسخة ليبيا أو مصر؟
شعار الإسلام واحد، لكن النسخ تتعدد في طروحات الأحزاب الإسلامية، حتى إنها أصبحت في بعضها تتشابه مع النسخة العلمانية والديموقراطية فما السبب؟
النسخة الفلسطينية حماس جاءت للسلطة بوعد الحرب على إسرائيل، لكنها اليوم تقبل الشروط الإسرائيلية، وفي صفقة شاليت تبعد نصف الأسرى خارج فلسطين، وتراقب الذين بقوا عندها كي يكفوا عن إزعاج إسرائيل، وتلتزم الاتفاقات كاملة. أما في مصر فحزب الإخوان المسلمين يبرد علاقته بإيران، ويسخن العلاقة مع أميركا لكسب ودها ودعمها. وتونس تفتح ذراعيها للغرب، وتغازله بمتحدثة سافرة تعد النساء بحفظ مكتسباتهن المدنية، هل في هذا غلط؟ السياسة تبررها المصالح، لكن هذا ما كانت ترفضه الأحزاب الإسلامية وتدعي عكسه، والحزب الإسلامي الذي يغير جلده السياسي لأن السياسة تحالفات وتنازلات، وهو في السلطة ليس هو نفسه الذي كان خارج السلطة، فقد كان منهجه تعبئة الشعوب بمعاداة أميركا والغرب، ولوم كل من يفهم المصالح السياسية.
ما أود قوله إن الشعار الإسلامي الذي ترفعه الأحزاب الإسلامية يقربها من الجمهور، لأنه شعار بسيط يفهمه الناس، ويميلون إليه بحكم انتمائهم الثقافي، وقد سمعنا الناخبين في تونس يصرحون أنهم اختاروا حزباً إسلامياً، لأنه سيخاف الله فيهم، كما فعل الفلسطينيون مع «حماس»، لكن الشعب لا يفهم أن الشعارات الإسلامية هي مجرد دعاية، والدعاية عادة أفضل من السلعة، وهذا الخيال الذي يربيه السياسيون والدعاة، هو إسلام لا يرتبط بجوهر الإسلام الخاص، ومنهج أنتم أعلم بشؤون دنياكم، وأن الحكم والسياسة مفاهيم مدنية ترتبط بالدنيا، وليس بالآخرة. وأن الثقة المطلقة يجب أن لا تمنح للبشر فالبشر يخطئون متى استفردوا بالحكم، وما لمسوه خير دليل، وأن الثقة يجب أن تمنح لحكم المؤسسات، التي تتمتع بسلطات مستقلة تراقب وتحاكم وتتقبل النقد.
أفضل ما يحدث اليوم للشعوب العربية هو أن تفوز الأحزاب الإسلامية، لأننا نريد أن ننتهي من تربية الأوهام في عقول الناس، فهذه الأحزاب ستجد نفسها أمام خيارين لا ثالث لها، إما أن تتبنى حكماً علمانياً ديموقراطياً، كما في الحزب التركي الإسلامي، لتخسر بهذا ما كانت تتمايز به عن الأحزاب الأخرى وتخسر قداستها، أو تعاند الحقائق وتصطدم بحائط العناد والفشل، وننتهي من هذه الحكاية رغم فداحة الثمن، ويعرف الناس أين أوصلهم خيارهم. يرد أحد الساخرين على الإخوان المسلمين الذين يرفعون شعار الإسلام هو الحل، قائلاً: صحيح الإسلام حل لكن أنتم المشكلة!
[email protected]
الحياة 31 10 2011