لم لا - عن النرجيلة والملابس الداخلية للنساء..!!
 
English

الرئيسية
عن لم لا؟
اسئلة متكررة
إتصل بنا
قواعد النشر
خارطة الموقع

منوعات

ربّي المخ قبل اللحية



حلول طريفة للقضية الفلسطينية



طرح عطاء لإنشاء دولة فلسطين



السيرة العجيبة للتواصل الاجتماعي؟



كنيسة جوجل!



استغفلونا ونحن صغار


هللويا فلسطين: البابا محمود عباس



فكّر خارج الصندوق ... روعة التفكير



المجدرة والمناقيش والمغربية ... أكلات فلسطينية



تسليات علمية



ثورة "سلو" دعوة تمهّل لعالم ذاهب نحو الهاوية


هل تصدق الرياضيّات؟


تمثال إمرأة فلسطينية


خطبة الهندي الأحمر الأخيرة



الجمعية الفلسطينية لتطبيق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية


رسومات

تنويعات على العلم الفلسطيني




الرئيسية > المقالات >

عن النرجيلة والملابس الداخلية للنساء..!!

حسن خضر


يفيد خبر بأن حكومة "حماس" منعت النساء من تدخين النرجيلة في الأماكن العامة. أحد الناطقين باسمها برّر قرار المنع على النحو التالي: "من غير اللائق أن تضع المرأة قدماً على قدم وتشرب النرجيلة أمام الناس في مشهد يضر بصورة شعبنا الذي يعاني من وطأة الحصار".

ويفيد خبر آخر بأن شرطة الحكومة نفسها فرضت على المتاجر، التي تبيع الملابس الداخلية للنساء، إزالة دمى العرض، وأية ملصقات لملابس داخلية غير محتشمة، "حفاظاً على الآداب العامة" وقد جاء القرار "بناء على شكاوى وضغوط من المواطنين".

وفي السياق نفسه حظرت الحكومة على مصففي الشعر الذكور العمل في صالونات الحلاقة التي ترتادها النساء. ومؤخراً سمعتُ من شخص خرج من غزة بأن الرجال في غزة لا يملكون الحق في الجلوس على شاطئ البحر بصدور عارية.

لا بأس. تندرج هذه الأشياء وغيرها في سياق مشروع للهندسة الاجتماعية. ولكن ماذا يحدث لو فكرنا في تفكيك وتحليل عبارة من نوع: "من غير اللائق أن تضع المرأة قدماً على قدم، وتشرب النرجيلة أمام الناس، في مشهد يضر بصورة شعبنا، الذي يعاني من وطأة الحصار". بداية، الصحيح أن نقول "من غير اللائق أن تضع المرأة ساقاً على ساق" لا أن نقول "أن تضع قدماً على قدم". ولكن لا بأس. أوكي، فلتضع المرأة "قدماً على قدم".

ومع ذلك، ثمة أسئلة من نوع: ما هي مرجعية اللائق وغير اللائق، وما العلاقة بين وضع ساق على ساق (أو قدم على قدم) وبين صورة شعبنا؟ هل "وطأة الحصار" تستدعي طريقة معيّنة في الجلوس، مثلاً؟ ولماذا لا يلحق الرجل ضررا بصورة شعبنا إذا "شرب" النرجيلة، ووضع ساقاً على ساق؟ وما هي صورة شعبنا، بالضبط؟ أو، ربما نضيف: ومَنْ وما هو شعبنا على وجه التحديد؟

لكل هذه الأسئلة إجابات واضحة لدى أصحاب مشروع الهندسة الاجتماعية. وأنا أصدّق، أيضا، بأن "الحفاظ على الآداب العامة" يأتي "بناء على شكاوى وضغوط من المواطنين". كل هذا صحيح.

ولكن العثور على وتعريف الحامل الاجتماعي لمشروع الهندسة الاجتماعية يمكننا من توسيع آفاق التفكيك والتحليل، كما أن وضع المشروع في سياق مُقارن، يمكننا من التعامل معه، والحكم عليه (إذا شئت) بطريقة أبعد من المناكفات السياسية والأيديولوجية. فلنصوّب أنظارنا وجهة أخرى:

يرصد علاء الأسواني في "عمارة يعقوبيان" تاريخ ومصير بناية من بنايات وسط القاهرة. يتجلى هذا المصير في تاريخ وهوية ونوعية مَنْ أقام فيها من السكّان على مدار عقود من الزمن، ومن خلاله يتجلى تاريخ مصر الاجتماعي والسياسي والثقافي، وما أصابها على نحو متدرّج من عطب وبوار، في النصف الثاني من القرن العشرين.
الرواية، مطلق رواية، عمل من أعمال الخيال، لكنها ذات قابلية عالية، وربما مُذهلة، للتوظيف باعتبارها وثيقة سوسيولوجية وسياسية، أيضا. وبقدر ما يتعلّق الأمر "بعمارة يعقوبيان" فثمة علاقة عضوية بين تبّدل نوعية السكّان من ناحية، وتبدّل نوعية النخب السائدة في حقلي السياسة والاقتصاد من ناحية أخرى.

فالضباط الذين استولوا على الحكم حملوا معهم إلى موقع النخبة السائدة ثقافة وسياسة واقتصاد ومخيال الطبقات والشرائح الاجتماعية التي نبتوا فيها وانحدروا منها. وقد كانوا من أصول فلاّحية قريبة العهد، كما كانوا جزءا من الشرائح الدنيا والمتوّسطة للطبقة الوسطى المصرية، ومع هذا وذاك تكوّن مخيالهم الثقافي والسياسي في ظل مؤسسة الجيش.

كان عبد الناصر ظاهرة استثنائية غير قابلة للتكرار، ومع ذلك فإن القيم الحقيقية التي حملها الضبّاط إلى موقع النخبة السائدة كانت بصريح العبارة ما أسماه الرئيس السادات "أخلاق القرية" وما صاغه في شعار "دولة العلم والإيمان" وكلاهما، بالمناسبة، يحتل مكانة مركزية في الفكر النهضوي العربي كما تجلى منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

تكرر وضع مشابه في العراق وسورية وبلدان أخرى، عندما استولى الضباط على الحكم، وصعدوا إلى موقع النخبة السائدة، وحملوا معهم "أخلاق القرية" و"دولة العلم والإيمان" مع تنويعات مختلفة بطبيعة الحال فرضتها طبيعة التطوّر الاجتماعي، وخصوصية التركيب الطبقي والطائفي، والحقل الاقتصادي، والتحديات القائمة، ودرجة الاستقرار السياسي، في كل بلد على حدة.

الخلاصة أن مشاريع الصعود إلى موقع النخبة السائدة، حتى وإن تقنّعت بقناع أيديولوجيات تتسامى على الطبقات الاجتماعية، أو تبنّت شعارات تدعو إلى التحرير والتطوير والتغيير..الخ، تعبّر من خلال فهمها الخاص لمعنى التحرير والتطوير والتغيير عن مخيال أصحابها أولاً، وتتجلى فيها حقيقة أن هذا المخيال نتاج بيئة نبتوا فيها وانحدروا منها ثانياً، وتنم عن حقيقة أن الصعود إلى موقع النخبة السائدة يدل على تحوّلات في موازين القوى الاجتماعية ثالثاً. وعندما يبرر الطموح إلى احتلال موقع النخبة السائدة نفسه بمشروع للهندسة الاجتماعية، وغالباً ما يفعل، فتلك هي الطامة الكبرى.

ولكن ما معنى هذا الكلام؟ وهذا الكلام يصدق على فلسطين، بقدر ما يصدق على تجارب عاشتها كمبوديا في ظل الخمير الحمر، وعلى الصين في زمن الثورة الثقافية، وعلى روسيا بعيد استيلاء البلاشفة على السلطة، ويصدق في بلدان كثيرة أخرى.

المعنى أن موقف سلطة "حماس" في غزة من النرجيلة ومصففي الشعر، والملابس الداخلية للنساء، والصدور العارية للرجال على الشاطئ، يستدعي ضرورة التعامل معه في إطار سوسيولوجي أعلى وأبعد من المناكفات السياسية. ففي التوّقف أمام القشرة الأيديولوجية لتلك القرارات ما لا يسهم في فهمها أو تفسيرها.

القشرة الأيديولوجية تحجب ما طرأ على المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من تغيّرات ديمغرافية، في القلب منها الزيادة الهائلة في عدد السكان، وفي القلب منها، أيضا، زيادة عدد اللاجئين في المخيمات وخارجها، ناهيك عن ترييف المراكز المدينية القليلة، وظهور حقل للسلطة (منذ إنشاء السلطة الفلسطينية في أواسط التسعينيات) يمكن التنافس على موقع الأولوية فيه، أو التفكير في الاستيلاء عليه.

يمكن لمدرسي علم الاجتماع في الجامعات الفلسطينية، مثلاً، تكليف طلابهم بدراسة الأصول الاجتماعية، وشبكات القربى، لقادة "حماس" وكوادرها المتوّسطة في قطاع غزة، هذا مفيد لتطوّر علم فلسطيني للاجتماع بقدر فائدته في تزويد المحلل وصانع القرار بمعطيات تُسهم في تكوين تصوّرات موضوعية عن الواقع.

وبدلا من الكلام عن الصراع بين "فتح" و"حماس" ماذا لو اختبرنا سوسيولوجياً، مثلا، الفرضية التالية: استيلاء "حماس" على قطاع غزة يمثل في جانب منه نجاح المخيمات في ترجمة تفوّقها العددي، وارتفاع مكانتها الاجتماعية بعد الانتفاضتين الأولى والثانية، إلى مكاسب سياسية. وماذا لو اختبرنا بالطريقة نفسها عداء "حماس" للسلطة الفلسطينية لا على خلفية الموقف من "أوسلو"، أو المفاوضات مع إسرائيل، بل على خلفية ما يبديه المجتمع المحلي من ممانعة إزاء سلطة جاءت من الخارج.

هذه الفرضيات، شأنها شأن كل فرضيات أخرى في العلوم الإنسانية تحتمل الخطأ والصواب، لكن مجرّد وجودها يحرر الحقل السياسي من الفقر، ومن اختزال الحراك السياسي والاجتماعي، في مجرد شعار عن الصراع مع عدو في الخارج، أو مع منافس عنيد في الداخل، ناهيك عن دورها في تحرير السجال في الشأن العام من المناكفات الأيديولوجية.

وحتى يحدث ذلك، فلنقل على نحو مؤقت على الأقل بأن الموقف من النرجيلة، ومصففي الشعر، والملابس الداخلية للنساء، والصدور العارية للرجال على شاطئ البحر، لا يعبّر بالضرورة عن "الآداب العامة" إلا بقدر ما تتجلى قيم وتصوّرات واستيهامات وتمثيلات لأشياء كهذه في المخيال العام لمخيم الشاطئ، مثلا. وعندما ينجح مشروع للهندسة الاجتماعية في تعميم نسق شديد المحلية والخصوصية من القيم والتصوّرات والاستيهامات والتمثيلات وفرضها على الآخرين، لا يتوقف التاريخ مُشفقاً، فقد مرّت عليه على مدار قرون وقرون أشياء كثيرة كهذه.

[email protected]
الأيام03 آب 2010

لا يوجد تعليقات

أضف تعليقك

الاسم/الكنية*:
البلد:
البريد الإلكتروني *:
التعليق على *:
العنوان :
التعليق *:



developed by InterTech