لم لا - عند الإمعان... يُكرم الامتحان أو يُهان
 
English

الرئيسية
عن لم لا؟
اسئلة متكررة
إتصل بنا
قواعد النشر
خارطة الموقع

منوعات

ربّي المخ قبل اللحية



حلول طريفة للقضية الفلسطينية



طرح عطاء لإنشاء دولة فلسطين



السيرة العجيبة للتواصل الاجتماعي؟



كنيسة جوجل!



استغفلونا ونحن صغار


هللويا فلسطين: البابا محمود عباس



فكّر خارج الصندوق ... روعة التفكير



المجدرة والمناقيش والمغربية ... أكلات فلسطينية



تسليات علمية



ثورة "سلو" دعوة تمهّل لعالم ذاهب نحو الهاوية


هل تصدق الرياضيّات؟


تمثال إمرأة فلسطينية


خطبة الهندي الأحمر الأخيرة



الجمعية الفلسطينية لتطبيق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية


رسومات

تنويعات على العلم الفلسطيني




الرئيسية > التعلم >

عند الإمعان... يُكرم الامتحان أو يُهان

الامتحانات والتغيير

الدكتور أسامة الخالدي
عميد كلية العلوم الطبية سابقاً، جامعة الخليج العربي في البحرين
 
إن الامتحان، أي امتحان، هو في نهاية الأمر أداة قياس. قد يكون القصد منه قياس تحصيل طالب أو قياس قابليته أو مقدار حفظه أو استيعابه، إلى ما هناك. ولكنه في جميع الحالات يبقى أداة قياس مهما اتخذ من شكل.
وككل أداة للقياس، سواء أكانت مسطرة أو ميزاناً، يمكن النظر إلى صفتين فيها:
(1) "العِوَل" أو الدقة: في الميزان الكيميائي يقاس الوزن عادة إلى 1000/1 من الغرام، وميزان بائع الخضار إلى أقرب 20 غراماً تقريباً. وكذلك فإن كل امتحان يختلف عن سواه في دقته في القياس. ولكن الامتحانات جميعها، بعكس أدوات القياس الفيزيائية، تتأثّر أيضاً بمؤثّرات خارجة عن ذاتها. فتأدية طالب ما لامتحان قد تتأثّر بحالة الطالب الصحية أو النفسية أو الضوضاء أو ظروف الامتحان أو توقيته. وكذلك فبعض أنواع الامتحانات قد تتأثّر نتائجها بحالة المصحِّح مما يقلّل من دقتها. وينطبق هذا، تحديداً، على الامتحانات الشفوية والامتحانات التي تتطلّب كتابة إنشائية.
إن لدى علماء التربية طرقاً لتقدير "العِوَل" في امتحان ما، منها مقاييس داخلية كقياس تطابق النتائج بين أقسام الامتحان المختلفة، ومنها مقاييس خارجية كمقارنة نتائج الامتحان بنتائج امتحانات أخرى مقنّنة، وتُعتبر درجة عِوَل تزيد عن 0,85 أو 0,80 امتحاناً جيداً. أي ان هناك مجالاً للخطأ في نتائج أفضل الامتحانات يزيد عن عشرة بالمائة عند قياس نتائج طالب ما.
(2) "صحة" القياس أو سريان مفعوله: في القياسات الطبيعية البسيطة، كقياس الطول أو الوزن، لا توجد مشكلة في تحديد ما تقيسه تلك الأداة، فالميزان يقيس وزن الجسم الموضوع عليه. والمفروض عند تحضير امتحان ما أن نصمّمه لقياس شيء معين مثل فهم الطالب لقواعد التفاعل الكيميائي. ولكن تصميم امتحان لقياس فهمه لشيء معين بمعزل عن العوامل الأخرى غير ممكن، حتى نظرياً. فذكاء الطالب سوف يؤثّر حتماً على أدائه وكذلك تمكّنه من اللغة التي تساعده على فهم الأسئلة، وعلى الإجابة عنها. ثم هناك مشاكل تحضير الامتحان: هل سنسأل الطالب أن يعيد علينا قواعد التفاعل الكيميائي كما وردت في كتابه أم هل سنسأله أن يحل مسائل تحتاج إلى فهم هذه القواعد؟ ما هو تأثير تمكنه من الرياضيات على ذلك؟ هل نسأله عن جميع القواعد التي تعملها؟ وإن لم نفعل ألا نترك للحظ دوراً كبيراً؟.
مما تقدم يظهر أن "الصحة" هي مشكلة الامتحانات الكبرى، ومع أن هناك مقاييس "لصحة" امتحان ما فإنه حتى تلك المقاييس تبقى عرضة للانتقاد. ويحاول علماء التربية دوماً تصميم، ثم تطوير، امتحانات ذات "صحة عالية" في قياس الخصائص العقلية المطلوب قياسها.
وقد زاد الأمر تعقيداً ترابط الخصائص العقلية بعضها مع بعض بحيث أنه بات لأي امتحان مهما كان، درجة من "الصحة" في قياس العديد من الخصائص العقلية تتراوح بين صحة عالية جداً (كـ 90 بالمائة) إلى صحة منخفضة جداً تقارب الصفر. فامتحان جغرافيا معين قد يكون ذا صحة 90 بالمائة في تقدير معرفة الطالب للمعلومات الجغرافية، و70 بالمائة في تمكنه من استخدامها، و50 بالمائة في قياس تمكنه من اللغة، و40 بالمائة في قياس ذكائه، و2 بالمائة في قياس معرفته للغة الإسبانية مثلاً.
وفي بعض الحالات، وبخاصة عندماً يكون الامتحان سيئ التصميم، فقد يكون ذا صحة سلبية في قياس صفة عقلية، كأن يحصل الطالب الذكي على علامة أقلّ من علامة الطالب الضعيف في ذلك الامتحان.
المهم في الموضوع أن التقنيات التربوية التي تطوّرت منذ منتصف القرن العشرين تمكننا من قياس صحة امتحان ما لقياس موضوع معين، وبالتالي تحسين تلك الصحة. غير أنه ليس من الممكن ولا المعقول تصميم امتحان واحد ذي صحة عالية لقياس جميع ما نريد قياسه. ولذلك تبذل الجهود الكبيرة في تطوير امتحانات مختلفة، لكل منها صحة عالية في قياس ملكة عقلية معينة.
 
امتحانات الشهادة الثانوية
تطورت امتحانات الدراسة الثانوية في العالم العربي خلال العقود الماضية. وهي في جميع الحالات تحت سيطرة وزارات التربية والتعليم، وتعرف بأسماء مختلفة كالبكالوريا، والموحّدة، والثانوية العامة، والتوجيهية.. إلخ. وهي جميعها امتحانات إنشائية تعتمد بالدرجة الأولى على مقدرة الطالب على حفظ وإعادة معلومات محدّدة.
إن هذه النوعية من الامتحانات هي بطبيعتها ذات عِوَل منخفض جداً لعدة أسباب:
(1) لا يمكن للأسئلة فيها أن تغطي أكثر من جزء صغير من الموضوع وبذلك يلعب الحظ دوراً كبيراً في أداء الطالب في الامتحان.
(2) في جميع الامتحانات الإنشائية هناك اختلاف كبير بين تقدير مصحِّح وآخر لعلامة الطالب. وحتى في الحالات التي يصحّح فيها أكثر من مصحِّح ورقة واحدة، يبقى هامش الشك في العلامة عالياً.
(3) يزيد الأمر سوءاً ضغط الوقت على المصحِّحين الذين يطلب منهم تصحيح عدة عشرات أو مئات من الأوراق في يوم واحد.
(4) كذلك فإن الإنهاك العقلي الذي يتعرّض له الطلاب خلال أسبوع الامتحان لا يمكن أن يساهم في دقة تقدير مقدرة الطالب.
(5) إن التضخّم الذي حصل خلال العقدين الماضيين في علامات هذه الامتحانات، مهما كان سببه، قد حصر التنافس في دخول بعض الكليات في هامش لا يتجاوز خمس علامات من المعدّل، مما قلّل كثيراً من عِوَل هذه الامتحانات.
وفي محاولة لزيادة العِوَل في هذه الامتحانات، وتسهيلاً لمهمّة تصحيحها بشكل منصف للطلاب، تتجه اللجان التي تضع الامتحانات إلى توجيه الأسئلة إلى المواضيع التي تعتمد على الذاكرة وإلى حصرها في المعلومات المتوفّرة في الكتب المدرسية المعتمدة.
فالطالب الذي يجيب عن السؤال بإعادة جميع المعلومات الموجودة في فصل من كتابه المدرسي، بالترتيب ذاته وباللغة والمصطلحات ذاتها، يحصل على العلامة الكاملة. وأية زيادة في الشرح أو التطوير، وأية معلومات إضافية يذكرها في إجابته، حتى لو كانت صحيحة، يتم تجاهلها وقد تعرّض علامته للانخفاض.
لا نعلم عن وجود أية دراسات في العالم العربي عن درجة العِوَل في مواضيع امتحانات نهاية الدراسة الثانوية، ولكننا قياساً على الامتحانات من هذا النوع نقدر أنها لا يمكن أن تتجاوز الثمانين بالمائة، أي أن الخطأ في علاماتها لا يقل عن عشرين بالمائة.
ونقدّر أن عِوَلها أقلّ من ذلك بكثير. وبعد ذلك نستعمل نتائج الامتحانات في المواضيع المختلفة للتوصل إلى معدّل عام للامتحان في تقدير علامة الطالب، فنجمع بذلك مقاييس مختلفة للحصول على ذلك المعدل السحري، كمن يجمع ثلاثة قمصان وأربع بطّيخات للحصول على العدد 7. ومع أن المعدل يحسّن من عِوَل الامتحان كأداة قياس، إلا أن الخطأ في النتيجة يبقى كبيراً. فلو افترضنا أن الخطأ في تقدير علامة كل من سبعة مواضيع هو 20 بالمائة، فإن مجمل الخطأ في المعدل ينخفض إلى جذر 20 بالمائة. أي إننا معرّضون لخطأ في حدود 5-10 بالمائة في تقدير معدل طالب ما في الامتحان.
ومع أن التربويين العرب يعرفون هذه الحقائق، فإننا نستعمل المعدل الذي يحصل عليه الطالب في الامتحان إلى أقرب 10/1 أو حتى إلى 100/1 بالمائة عندما نقرر قبول طالب في كلية طب أو كلية هندسة. أي إننا نستعمل مقياساً بدقة تزيد خمسمائة إلى ألف مرّة عن مقدرة هذا المقياس. ولو طلبنا من أحد أن يقيس المسافة بين نقطتين على ورقة بمسطرة عادية يمكن القياس من أحد أن يقيس المسافة بين نقطتين على ورقة بمسطرة عادية، يمكن القياس بها إلى أقرب مم واحد أو 2/1 مم، وأجابنا أن المسافة هي 52,416 وليس 52,417، مثلاً، لهزئنا منه. ولكننا نستعمل مثل هذه الدرجة من اللاعقلانية بالنسبة إلى العِوَل في تقرير مستقبل العديد من طلاّبنا.
أما بالنسبة إلى "صحّة" هذه الامتحانات، فإن علينا أن نقرّر ماذا نريد أن نقيس في هذه الامتحانات. ونستعمل حالياً الامتحان ذاته لقياس عدة أشياء. فمثلاً لا حصراً:
(1) حفظ الطالب للمعلومات التي تعلّمها.
(2) مقدرته على إعادة هذه المعلومات.
(3) مقدرته على استعمال هذه المعلومات.
(4) صلاحية الطالب لدراسة: (أ) الطب، (ب) الهندسة، (ج) الحقوق، (د) الزراعة، (هـ) الأداب، (و) الموسيقى، (ز) .. وغير ذلك.
(5) الجوائز والمنح التي يستحقها الطالب.
(6) مقدرة الطالب العقلية العامة، وبالتالي الاحترام الذي يستحقه من المجتمع.
(7) أداء الأستاذ والمدرسة.
مهما يكن الامتحان الذي نصمّمه جيداً فليس بالإمكان أن يكون ذا صحة عالية في قياس جميع هذه الأشياء معاً. ومع أن أحداً لا ينكر وجود ترابط بين هذه المواضيع، إلا أن هذا الترابط ليس أكيداً مائة بالمائدة. وكذلك فليس من الصعب تصميم امتحانات مختلفة أو تطوير امتحانات موجودة لكل منها صحة أكبر في قياس كل من هذه القدرات.
إن هناك ترابطاً بين أوزان الأشخاص وأحجامهم وبين مقاسات أحذيتهم. ولكننا لا نستعمل الأخيرة لقياس الأولى، وخاصة إذا كان بالإمكان استعمال مقياس مباشر لها.
إن القصد الأساسي من هذه الامتحانات هو توحيد برامج التعليم في المدارس المختلفة والتأكد من توفّر مستوى مقبول للدراسة في جميع المدارس، وبخاصة إذا ما وجدت في البلد مدارس خاصة لا تتبع البرنامج الحكومي بحذافيره. وهذا أمر ضروري مبدئياً، إلا أن زيادة الاعتماد على هذه الامتحانات واستعمالها لتقرير أمور لم تصمّم أساساً لتقريرها يقود على نتائج جانبية مهمة وأكثرها سلبي التأثير. فطبيعة هذه الامتحانات تقود إلى تجميد البرامج وتوجيهها كلياً، وبخاصة في سني الدراسات الثانوية النهائية، كما تقود إلى تحضير الطالب للحصول على أعلى العلامات في هذه الامتحانات. وهذا يحدّ كثيراً من حرية الأستاذ الجيد الذي يجد نفسه في مركز تقاس فيه قدرته التعليمية بالنتائج التي يحصّلها طلابه بالامتحان، وكذلك تحدّ من توسيع أفق الطالب (وخاصة الطالب الجيد) الذي يضع جميع مقدرته في الدراسة في حفظ برامج محدّدة، مهملاً التوسّع في معلوماته العامة أو في المواضيع التي تثير اهتمامه والتي قد تكون لديه موهبة فيها. فهو مضطر لحصر جميع جهوده في حفظ المقرّرات للامتحان، فعلامة واحدة فيه قد تقرّر مصيره. وكثيراً ما ترى الطلاب يثورون على أساتذتهم إذا ما حاولوا أن يخرجوا ولو قيد شعرة عن المقرّرات الرسمية.
وكذلك فإن نوعية هذه الامتحانات التي تتجه إلى إعادة معلومات محدّدة (ولأسباب وجيهة كما شرحنا سابقاً) تقود إلى خنق قدرات الطلاب على التفكير المستقل وإعطائهم الانطباع الخاطئ تماماً عن العلوم، وبخاصة العلوم الطبيعية، بحيث يسود الاعتقاد بين الطلاب أن هناك حقائق علمية ثابتة هي الحقائق الواردة في الكتب الرسمية المقرّرة. ويزداد الأمر سوءاً في محاولات إعطاء برامج الدراسة وجهاً علمياً حديثاً حين ندخل فيه الكثير من المعلومات العلمية الحديثة فنضطر، لضيق الوقت، إلى إهمال المنهج الذي قاد للحصول على هذه المعلومات. فيصبح فهم الطلاب للعلوم الطبيعية على أنها حقائق ثابتة تنتج من عمل علماء غربيين يعملون في مختبرات متطوّرة، أو ان العلوم هي نوع من السحر وليست امتداداً طبيعياً للتفكير المنطقي.
والمؤسف حقاً أن هذه الانطباعات وهذا الإطار العقلي ينتقل مع الطلاب حين ينتقلون إلى الدراسة الجامعية. وأعرف شخصياً عدداً من أساتذة الجامعات في اختصاصات تتفاوت بين التاريخ والفيزياء الذين يصرّحون بأنهم يفضّلون لو لم يدرس الطلاب مواضيعهم في الثانويات كي يصلوا إليهم بعقل مفتوح.
إن القيمة الكبيرة التي نوليها لهذه الامتحانات تجعلها في نظر الطالب وفي نظر أهله مقياساً وحيداً لمقدرة الطالب، وفي بعض الحالات يصل الأمر عند الطالب الذي يفشل في هذه الامتحانات إلى الانتحار.
كما أن تركيز أهل الطالب على نجاح ولدهم في هذه الامتحانات يقود كثيراً إلى تطوّر ٍ"نظام الدروس الخاصة" والذي قد يصل به الأمر كما في بعض الدول العربية إلى أن يصبح "برنامجاً" موازياً للبرامج الدراسية الرسمية مع كل ما في هذا البرنامج من سلبيات تعليمية واقتصادية واجتماعية.
وكذلك فإن الأهمية القصوى التي نوليها هذه الامتحانات بالنسبة إلى مستقبل الطالب قد قادت إلى تطور نظام للغش من قبل الطلاب (ومن قبل الأساتذة في بعض الحالات). وفي محاولة لمحاربة هذا الفساد تقوم الدول باتخاذ إجراءات مشددة لمنع تسرب الأسئلة تصل في بعض الحالات إلى منع الاتصال مع اللجان الفاحصة بحجز هذه اللجان في حماية الشرطة لتضع الامتحانات في اليوم السابق للامتحان مما يقود إلى تدهور في مستوى الأسئلة.
كذلك فإن الطلاب قد أبدوا مقدرة تقنية وفنية عالية في تطوير أساليب الغش بدلاً من أن تتجه مواهبهم في اتجاهات أكثر فائدة للمجتمع.
ولكن الأسوأ من هذا كله هو التأثير الكبير على أخلاق الطلاب وأخلاق المجتمع الذي يقدر، بل ويكافئ الطالب الذي يحصّل درجات عالية بواسطة الغش. وفي حالات كثيرة يُعرف زملاء هذا الطالب بل وأساتذته (ولكن يكفي أن يعرف هو) أن نجاحه كان إلى درجة كبيرة معتمداً على الغش.
لا يوجد تقدير لكمية الغش في هذه الامتحانات ولا إلى تأثير هذا الغش على النتائج. ولكن إذا اعتبرنا أن محاولات الغش التي تكتشف لا تمثل إلا الجزء اليسير من المحاولات الناجحة فإن حجم الغش يصبح كبيراً جداً.
وفي هذا المجال يحدث أثر نفسي معاكس عند هذه الفئة من الطلاب التي تعتمد الغش في الامتحان كوسيلة للنجاح – ل ربما التفوق– فذلك الطالب الذي ينال علامات في اللغة العربية لا يحصل عليها سيبويه.. والطالب الذي يحصل في اللغة الإنجليزية على درجات لا يصلها شكسبير ذاته، يبدأ بالاعتقاد أنه "سوبرمان". ثم تجده عند أول امتحان حقيقي قد أقعى حماره، وتكشّفت علاماته تلك عن مستوى منخفض مما يخلق أثراً نفسياً معاكساً وسلبياً عند الطالب.
ومن خبرتي مع الطلاب الجامعيين، فإن قليلاً منهم من يصرّ على أنه لم يغشّ أو أن يحاول أن يغشّ في الامتحانات الثانوية. وكذلك يندر مَنْ يعتبر ذلك غير مقبول أخلاقياً.
مع الأسف، فإن هذا الاتجاه يستمر معهم خلال دراستهم الجامعية وحتى الدراسات العليا في بعض الحالات.
في نظرنا، فإن الأهمية القصوى التي توليها نتائج هذه الامتحانات هي الحافز الأول والأكبر في تطوير نظام الغش المتكامل فيها وما يتبعه من فساد أو إفساد.
 
هل يمكن إصلاح الأمر؟
ليس بالإمكان الاستغناء عن امتحانات نهاية الدراسة الثانوية، كما هو الأمر في الولايات المتحدة، فهي ضرورية لضبط التعليم الثانوي من قبل سلطة مركزية. ولكن من الضروري التقليل من سلبيات هذا النظام:
أوّلاً: علينا أن نعترف إن هناك حدوداً لهذه الامتحانات، فهي لا تقيس كل شيء عند الطالب، ويجب أن نستعملها للغرض الذي صمّمت من أجله فقط. وإذا أردنا قياس خصائص أخرى فعلينا أن نصمّم امتحانات خاصة لها. وفي رأينا أن اجتياز هذه الامتحانات ضروري لإتمام الدراسة الثانوية والانتقال على الدراسة الجامعية. ولكن يجب الاستغناء كلياً عن استعمال "المعدّل" في هذه الامتحانات كامتحان قبول للكليات الجامعية المختلفة. فبالإمكان وبدون جهد كبير أن تطور الكليات المختلفة امتحانات قبول خاصة بها تنتقي على أساسها الطلاب الذين تقبلهم هذه الكليات، ويجب أن يختلف امتحان القبول في كلية الطب عنه في كلية العلوم. فقد ترى كلية الطب ضرورة لإجراء مقابلة شخصية مع المرشّحين أو إجراء امتحان شخصي لهم، كما أن كلية العلوم قد تريد اختيار الطلاب الأكثر قدرة على حل المشاكل أو التفكير الإبداعي فتصمّم امتحاناً خاصاً لقياس ذلك. لقد فشلت امتحانات الدراسة الثانوية حتى الآن في اختيار أفضل الطلاب للكليات المختلفة، والدليل على ذلك نسبة الرسوب المرتفعة في مراحل الدراسة الجامعية، وبخاصة في السنتين الأوّلتين منها. فلنترك للجامعات والكليات حرية اختيار طلابها بالمقاييس التي تراها مناسبة لذلك، وهم أدرى الناس بنوعية الطالب الذي يريدون. وأعتقد أننا لو قمنا بهذه الخطوة فقط، فسوف نزيل الكثير من سلبيات امتحانات الدراسة الثانوية بسرعة.
ثانياً: تحتاج امتحانات الثانوية العامد إلى إصلاح كبير، وهذا أمر لا خلاف عليه. وتكمن المشكلة هنا في وجود رأيين في الموضوع: فبعض علماء التربية يرى تأجيل تحديث هذه الامتحانات إلى أن يتم تحديث البرامج الدراسية من كتب وتدريب أساتذة.. إلخ. بينما يرى البعض الآخر أن هذه الامتحانات -لكونها مركزية– يسهل إصلاحها قبل غيرها، وأن إصلاحها سيجبر البرامج الدراسية على التطور. وكلا الطريقتين ممكن نظرياً، ولكن استعمال الطريقتين معاً يبقي الطريقة الأجدى. وكما أن تغير البرامج الدراسية لا يمكن أن يتم إلاّ بتطويرها تدريجياً، فإن التطوير التدريجي للامتحانات يبقى الطريقة المثلى لتحسينها:
(1) كما قلنا سابقاً، لا نعرف عن وجود دراسات عن عِوَل وصحة الامتحانات العربية ومن الضروري ومن غير المكلف إجراء مثل هذه الدراسات.
(2) يمكن البدء بتغيير جزء صغير من كل امتحان، بإدخال الأسئلة الحديثة التي لا تحتاج إلى كتابة مطوّلة (واحد من خمسة خيارات مثلاً) لزيادة تغطية الموضوع وللحصول على أسئلة يمكن إجراء إحصاءات ذات معنى عليها، ويمكن أن تؤلف هذه الأسئلة عشرين أو حتى عشرة بالمائة من كل امتحان في البداية. إن مجرد القيام بذلك سيؤثّر إيجابياً على الامتحان جميعه. وعلى ضوء تأثير هذه التغيرات البسيطة يمكن تقرير مدى وكمية التغير اللازمة.
إن علم التربية ليس جديداً على الأمة العربية، فكتب التربية باللغة العربية كثيرة ومنشورة منذ عقود طويلة وجميعها يذكر جميع النظريات التربوية المذكورة فيما سبق. والآن، أما آن الأوان كي نطبق علم التربية، وبخاصة في المجالات التي يمكن تطبيقه فيها بدون جهد كبير؟
 
 

 


لا يوجد تعليقات

أضف تعليقك

الاسم/الكنية*:
البلد:
البريد الإلكتروني *:
التعليق على *:
العنوان :
التعليق *:



developed by InterTech