كل شيء يسير بسرعة في عصر آلات الحساب العملاقة والتكنولوجيات الجديدة، إلا أن حركة "سلو" (بطء) ترى أنه من الملحّ جداً العمل على إبطاء هذه الوتيرة، وإلاّ اصطدم العالم بحائط مسدود، فيما يقول المدافعون عنها، أن هذه الحركة هي على طريق التحول إلى "ثورة ثقافية".
قبل عشرين عاما أبصرت الحركة النور في إيطاليا من خلال عالم الاجتماع كارلو بيتريني ومنظمة "سلو فود" (الغذاء البطيء) التي تعتمد فلسفة الغذاء "اللذيذ والسليم والنظيف". أتى ذلك كرد فعل على إنشاء مطعم من سلسلة "ماكدونالد" الأميركية للوجبات السريعة في "ساحة إسبانيا" في روما القديمة، وهي المطاعم التي لا تؤمن أي قيمة غذائية لمستهلكها. وقد ألهمت الحركة أطرافا أخرى في العالم.
وتكثر عناوين الحركة الفرعية التي تطالب جميعها بالتمهل لصالح كوكب الأرض وصالح الإنسان، فنجد: "سلو سيتيز" (استمتاع بالعيش في المدن)، و"سلو بروداكشن" (الإنتاج المستدام)، "سلو ماني" (الاستثمار في المحلي والعضوي) و"سلو بارينتينغ" (تخصيص وقت كاف للأطفال) وهكذا.
في أوروبا، عديدة هي المؤلفات حول ما تخلفه السرعة من أضرار. فيقول الفيلسوف الألماني هارتموت روزا: "إن السرعة التي ساعدت العالم على بلوغ الحداثة قبل قرنين، هي التي تدفعه اليوم باتجاه الهاوية على الارجح. فقد تم بلوغ الحدود التي يستطيع الإنسان تحملها على الصعيد الفردي كما على الصعيدين البيئي والسياسي. ونحن لا نتحرك بسرعة بهدف تحسين الأمور وإنما للحفاظ على حالها وحفظ النظام الاجتماعي".
وتتضاعف أعداد مناصري البطء كما أيام "الاستراحات" الحيوية حول العالم. ويقدر مكتب "داتامونيتور" الاستشاري في لندن عدد الأشخاص المستعدين للتخلي عن بعض من قدراتهم الشرائية في مقابل مزيد من الوقت المتاح، بأكثر من 20 مليون في العام 2010.
من جهته يروج نادي "سلوث كلوب" في اليابان لأسلوب حياة أكثر هدوءا في بلد حيث كلمة "كاروتشي" تعني "الموت نتيجة الإجهاد". أما "جمعية إبطاء الوقت" النمساوية في كلاغنفورت فهي تجمع أعضاءها سنويا في "مؤتمر بطيء"، بينما تدعو "أنبلاغ تشالينج" في الولايات المتحدة إلى "قطع الاتصال" أو "الانفصال" بشكل منتظم عن الهواتف والحواسيب وأجهزة التليفزيون.
ولعل الأمر يعتبر دون شك نجاحا لان فلسفة "سلو" تهتم قبل كل شيء بمفهوم عالمي هو: السعادة.
ويختصر كارل أونوريه الأمر قائلا "هي ليست حربا في وجه السرعة، وإنما عملية إدراك. هي الحاجة الحتمية لاستعادة الإيقاع السليم على كل الأصعدة حتى لا يقضي المرء حياته راكضا ليلحق بها".
وأونوريه هو مؤلف "ليلوج دو لا لانتور" (في مديح البطء) الذي ترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة. يضيف "نحن على مفترق تاريخي فهذا التعبير ـ المفهوم "سلو" الذي لم يكن يؤدي إلى الكثير في العام 2004 خلال طرحه للبحث على محرك "غوغل" وهو يحولنا اليوم إلى صفحات ومواقع إلكترونية كثيرة".
أما جان ليريتيه رئيس "سلو فود" فرنسا فيرى أن "نمط الاستهلاك يتغير جذريا اليوم. فالناس ملوا من قضاء حياتهم في زحمات السير وجر العربات في المتاجر الكبرى. لكن هذا التحول بحاجة إلى عقود عدة ليتحقق".
ويعود أونوريه ليقول "حتى في الهند التي بلغتها الرأسمالية النفاثة، فإننا نسجل نقاشات حول مخاطر السرعة إذ ان الناس غير راضين لفقدان الروابط العائلية وإهمال ذويهم..".
وثمة أشكال غير متوقعة تدخل في إطار عملية الإدراك تلك: فقد أعلن مسؤول لدى شركة "آي بي أم" للحواسيب والبرمجيات عن "البريد الإلكتروني البطيء (سلو إيميل) بهدف استخدام أقل وأفضل لعلب البريد الإلكترونية. كذلك فإن كاهنا نمساويا من فيينا وعد بأنه سيبذل جهده "للوعظ بطريقة أبطأ".
لكن التحرر من السرعة يمر "بعلاج لإزالة السموم" هو بمثابة عملية "فرز انتقائية" جماعية وفردية فيما يخص استخدام التكنولوجيات الجديدة التي خلال توليدها للتطور تجعلنا بسهولة "عبيداً مرتهنين" لها، بحسب باتريك فيفريه فيلسوف وكاتب من أنصار العولمة البديلة.