لم لا - "يا للخسارة، بعد أن تعوّد قلّة الأكل مات"
 
English

الرئيسية
عن لم لا؟
اسئلة متكررة
إتصل بنا
قواعد النشر
خارطة الموقع

منوعات

ربّي المخ قبل اللحية



حلول طريفة للقضية الفلسطينية



طرح عطاء لإنشاء دولة فلسطين



السيرة العجيبة للتواصل الاجتماعي؟



كنيسة جوجل!



استغفلونا ونحن صغار


هللويا فلسطين: البابا محمود عباس



فكّر خارج الصندوق ... روعة التفكير



المجدرة والمناقيش والمغربية ... أكلات فلسطينية



تسليات علمية



ثورة "سلو" دعوة تمهّل لعالم ذاهب نحو الهاوية


هل تصدق الرياضيّات؟


تمثال إمرأة فلسطينية


خطبة الهندي الأحمر الأخيرة



الجمعية الفلسطينية لتطبيق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية


رسومات

تنويعات على العلم الفلسطيني




الرئيسية > التعلم >

"يا للخسارة، بعد أن تعوّد قلّة الأكل مات"

د. حنا ناصر، رئيس مجلس أمناء جامعة بيرزيت، فلسطين المحتلة


خلال الأسبوع المنصرم أصدرت إدارة إحدى الجامعات الفلسطينية بياناً إلى العاملين فيها تبين لهم وضعها المالي الصعب، وقامت جامعة أخرى بدفع جزء فقط من رواتب العاملين فيها للشهر الحالي، أما جامعة ثالثة فنشرت على موقعها الإلكتروني ميزانيتها لتشير إلى عجز مالي كبير حالي ومتراكم. إنه وضع صعب للغاية وينذر بانزلاق كبير في عملية التعليم العالي في فلسطين. وتحاول هذه المقالة أن توضح مؤشرات هذا الانزلاق الخطير.

 إن منشورات وزارة التعليم العالي تقتصر على إحصائيات متعلقة بأعداد الطلبة والمدرسين وما شابه. ولكن لا توجد دراسة في وزارة التعليم العالي تشير إلى الأثر الفعلي للتعليم العالي في تنمية فلسطين. والحقيقة أن المؤشرات تبين أن الجامعات الفلسطينية (والعربية بشكل عام) لا تصل إلى الحد الأدنى من المرتبات العالمية للجامعات المرموقة. ولا شك أن الوضع المالي هو سبب أساسي لهذه المرتبات المتدنية. وفي الوقت ذاته فإن المال وحده لن يكون كافياً لرفع مستوى الجامعات. ولكن بدون المال الكافي، فإن وضع الجامعات الفلسطينية سيبقى في وضع حرج للغاية. وتبقى أهمية هذه الجامعات محصورة على تخريج طلبة وليس على التنمية وزيادة المعرفة – والتي تعتبر الأساس في التعليم الجامعي.

 

في المقابل تم إنشاء الجامعة العبرية في القدس في عام 1924! أي قبل قيام "دولة إسرائيل". وتم البدء بها كجامعة للأبحاث وللدراسات العليا. وأصبحت الجامعة العبرية عنوانا بارزا للتعليم العالي المتميز. وأنفقت عليها الدولة أموالا طائلة. وبمعنى آخر تبنتها الدولة واعتبرتها جزءا أساسيا من بنيان الدولة العبرية. وساهمت الجامعة العبرية – وغيرها من الجامعات الإسرائيلية في وقت لاحق- في أبحاث تعتبر أساسية في حقل المعرفة عالميا. وكان لهذه الجامعات وما صدر عنها من أبحاث أثر كبير على قيمة الدعم السياسي لإسرائيل.

وفي السنوات الأولى من قيام "دولة إسرائيل"، تم تقنين هائل ومؤلم أحيانا في الصرف على الكماليات. وقد رأى البعض منا أنواع السيارات التي كانت بحوزة قيادة جيش الاحتلال عندما داهمنا في عام 1967. فمعظمها كان من طراز متواضع لا تراه الآن حتى في السوق الشعبي في فلسطين. لقد كان اهتمام إسرائيل برصد الأموال على الأمور الأساسية – التعليم والتكنولوجيا والأبحاث. وأصبحت إسرائيل، نتيجة لهذه السياسة، رائدة مثلا في صيانة وتعديل أجهزة الطائرات. كما أصبحت رائدة في البرمجيات. وتدر عليهم هذه الخبرات البلايين من الدولارات سنوياً. نعم نجح استثمارهم في التعليم العالي نجاحاً باهراً مالياً وسياسياً في الوقت ذاته.

إن المقارنة بيننا وبين جارتنا المغتصبة هي لتشير فقط كيف هم ينظرون إلى التعليم العالي وكيف ننظر نحن له. هم يرونه استثماراً للمستقبل ونحن نراه أداة لمنح الشهادات. إن التعليم العالي في فلسطين يحتاج إلى معالجة جذرية. وفي أبسط الحالات علينا أن نحافظ على الجامعات في حدها الأدنى وأن نعطي الفرصة للقائمين عليها للتخطيط الجدي لتطويرها – دون إرهاقهم بالبحث دوما عن مصادر التمويل الضرورية. وانطلاقا من هذا التفكير فإن السلطة مطالبة بتوفير الأموال والمخصصات التي التزمت بها للجامعات. ومن الصعب أن يتفهم أي شخص مسؤول في الجامعات أن تكون هذه المخصصات هي ضمن بند "إن توفرت الأموال". أو "اللي فات مات". هنالك حاجة سريعة لمراجعة هذه السياسة. وإلا كيف يمكن للجامعات أن تقر خططها وبرامجها. وكيف يمكن أن يحصل تخطيط سليم للتعليم العالي بهذا النوع من السياسية المالية الرسمية للتعليم العالي.

لا أرغب أن تكون مقالتي هذه في جلِّها طلبا للدعم. فقد سئمت هذه الكلمة وسئمها الكثيرون غيري من الذين يعملون في التعليم العالي. وأشعر بخجل كبير أن تكون إحدى المؤسسات الأكثر أهمية في الوطن – مؤسسة التعليم العالي – تقع ضمن عملية "الاستجداء" المتواصلة. ولكن الهدف من وراء هذه المقالة هو حث السلطة على النظر إلى التعليم العالي من منظور التنمية الجادة، ومن منظور سياسي يساعدنا في وضع التعليم العالي ضمن بوتقة عالمية وليس ضمن بوتقة محلية تقتصر على التهنئة في الصحف المحلية لمن حصل على شهادة البكالوريوس أو ممن كتب أطروحة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يقرأها إلا من كتبها – هو وأصحابه وأهله.

نعم هنالك أبحاث جيدة وفي مجالات محددة في الجامعات الفلسطينية. وهنالك العديد من الأبحاث التي يتم نشرها في دوريات متخصصة عالمية. ولكن تبقى مؤشرات التعليم العالي، حسب المواصفات العالمية، دون المستوى المطلوب ولا توجد جامعة فلسطينية أو جامعة عربية واحدة ضمن أفضل 500 جامعة في العالم. يا للعيب ويا للمأساة. عالم عربي غني بالثروات ولا تنتبه قياداته لأهم بند في عملية التنمية – ألا وهو التعليم العالي المتميز.

في العقدين الأخيرين انتشرت ظاهرة التعليم العالي التجاري في الوطن العربي. ظاهرة لا تراها إلا في الوطن العربي. وقد تم تبرير هذه الظاهرة على أنها إيجابية وتسد فراغا لا تتمكن الدولة من سده. فانتفع منها أصحاب هذه الجامعات وامتلأ الوطن بالشهادات المتواضعة. ولكن بسبب الدافع التجاري، لم تتمكن هذه الجامعات من إثراء المعرفة ولا تسمع عن هذه الجامعات إلا في أوطانها. وانتشر في الخليج مؤخرا استيراد لفروع من بعض الجامعات الأميركية العريقة. فتغلغلت الثقافة الغربية وسياساتها بطلب منا. وكان من الأولى أن تهيئ الجامعات الخليجية نفسها بنفسها عن طريق الابتعاث وما شابه بدلا من استيراد التعليم العالي كأية سلعة تجارية. وفي الوقت ذاته لم تستثمر الدول العربية في تعليم متميز – إلا في حالات نادرة جداً.

كنت أعتقد أن فلسطين ستكون أفضل حالاً من الوطن العربي. وكنت أعتقد أن القيادات الفلسطينية ستعي أهمية التعليم العالي "المتميز" وتستثمر به بكل جدية. ولكن ذلك لم يحصل وبات التعليم العالي فيه على أدني سلم الأولويات وبات الانزلاق للهاوية وشيكاً. لقد صمدت مؤسسات التعليم العالي أمام إجراءات الاحتلال التعسفية عندما كان الاحتلال مهيمناً على جميع مرافق الحياة في الوطن. فهل يعقل أن ننزلق ولدينا سلطة وطنية قادرة على وقف هذا الانزلاق! إن التحدي هام ومصيري. والحكومة الحالية والقادمة مدعوة لمعالجة الوضع قبل فوات الأوان حتى لا يأتي الوقت ونتذكر القصة المأثورة في كتاب "راس روس" للمربي الفلسطيني المعروف خليل السكاكيني حول الحمار الذي كان صاحبه يقلل من طعامه يوميا لتوفير المال، وبعدها مات الحمار فقال صاحبه: "يا للخسارة، بعد أن تعوَّد قلة الأكل مات".

"الأيام" الخميس 7 نيسان/أبريل 2011


لا يوجد تعليقات

أضف تعليقك

الاسم/الكنية*:
البلد:
البريد الإلكتروني *:
التعليق على *:
العنوان :
التعليق *:



developed by InterTech