د. صبري صيدم
لم أعد أستطع أن أمتنع عن الضحك في كل مرة يقفز فيها الشباب بحثا عن حريتهم وتحررهم في عالمنا العربي فيواجههم جيش من المتهمين لهم بأنهم ضحايا لمؤامرة وأنهم يعملون لصالح أجندات خارجية وأنهم مدفوعون من قبل هذا وذاك وأنهم عصابات إرهابية وغيرها من الألقاب التي صاحبت الشباب الحر الذي انتفض في تونس ومصر وليبيا وغيرها من العواصم المتأرجحة بين النار والنور.
ولا أنسى عندما قيل في يوم من الأيام ان هؤلاء هم مجموعة من الأطفال الذين يمرحون ويلعبون. فقرر هؤلاء الثائرون الجدد أن يمرحوا ويلعبوا على طريقتهم فغيروا خريطة عالمنا الإقليمي بصورة أشبه بالتفاعل الإنشطاري النووي الذي لا ينتهي.
وكم صاحب ذلك المد من تفتح لحدقات العيون حول الشباب وضرورة السماع لهم وأيضا الاهتمام بالتكنولوجيا، وهي أكثر ما يهمني في العالم البشري، وقد جاءت الثورات لتحولها إلى مشروع واسع. فانفجر العالم الافتراضي في عالمنا العربي وبات الجميع رائدا مهتما بعالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، بل انضم لهؤلاء البعض ممن لا يملكون الخبرة ولا الدراية، فأصبح الواحد منهم مفتياً عاماً في شؤون التقانة والشبكات الإخبارية ومجمّعاً مستشرساً للأخبار والمقالات والتقارير العائمة في فضاء الإنترنت، وموزعاً أميناً للنصائح والتقارير وربما التهم والأحكام المسبقة.
الأهم أن حمى الثورة الافتراضية الاجتماعية ما زالت لم تقنع البعض في العالم العربي فيشكك بقدرة الشباب الحر على قلب المعادلات، ويتعامل باستهانة منفّرة مع خبرة هؤلاء الشباب وقدراتهم وطاقتهم. بل يسلك الطريق ذاته في محاولة الاحتواء الأبوي، الاسترضائي أو العشائري. فما أن يبرز فتيل الثورة في مكان ما إلا وسارع ساسة الأنظمة للإشارة بأن البلد كذا ليس مصر وتونس، بل يذهب هؤلاء إلى طمأنة الذات بأن دولهم ليست كسابقاتها والوضع مختلف ولكل خصوصيته الاقتصادية والاجتماعية وحتى المذهبية.
حقيقة الأمر أن هناك خصوصية معينة للدول.. نعم! لكن أحلام الشباب وثورتهم وعزيمتهم وطاقتهم واحدة لا تختلف، خاصة عندما يحزمون أمرهم ويتخذون قرارهم بالحراك، أو كما يحلو للتائهين القول «باللعب». هؤلاء الشباب لا تنقصهم الإرادة ولا يعرفون العجز أو الكلل ولا يستسيغون المدارس الأبوية ولا يحبذون الالتزام بالتقليد ومدارس الطبطبة وهم قد تجاوزوا مقصات الرقباء وخرجوا إلى القرية الكونية التي وعدتهم بها الإنترنت فأخذوا المبادرة بعدما أطلقوا الشرارة في كل عاصمة. والشرارة لا تحتاج إلى جيش "فيسبوكي" مجوقل وإنما إلى عدد قليل ممن يطلقونها. لذلك فإن مدرسة الانشطار هذه وإن بدت غير منظمة وهلامية ومتكررة وأحيانا متعبة ومفتقرة للقيادة والهدف الموحد إلا أن نارها لا تخبو أبدا وإنما تعيد النظر في الدروس والعبر وتعيد ترتيب أوراقها وتسعى إلى تحديد الفكرة الأنسب التي سيجتمع الناس حولها لتكون الشرارة والمنارة فتعاود الانطلاق.
ما يجب قوله هو أن العالم قد تغير مع إطلالة هذا العام ومن لا يستطيع مواكبة التغير فسيكتوي بنار التقليد والتردد وسيفوته قطار التجديد. لذلك فإن مدارس الأحزاب ومجتمعات السياسة لا بد أن تستبدل نظرتها الدونية الوضيعة للاعبين الجدد بنظرة أكثر احتراما وتقديرا ومحاكاة وتأقلما. فالكل اليوم حر تماما كما ولدته أمه... فهل من متعظ؟