لم لا - برنامج إقامة الدولة الفلسطينية وإعادة تكوين الحركة الوطنية الفلسطينية: النيوليبرالية بصفتها تحرراً
 
English

الرئيسية
عن لم لا؟
اسئلة متكررة
إتصل بنا
قواعد النشر
خارطة الموقع

منوعات

ربّي المخ قبل اللحية



حلول طريفة للقضية الفلسطينية



طرح عطاء لإنشاء دولة فلسطين



السيرة العجيبة للتواصل الاجتماعي؟



كنيسة جوجل!



استغفلونا ونحن صغار


هللويا فلسطين: البابا محمود عباس



فكّر خارج الصندوق ... روعة التفكير



المجدرة والمناقيش والمغربية ... أكلات فلسطينية



تسليات علمية



ثورة "سلو" دعوة تمهّل لعالم ذاهب نحو الهاوية


هل تصدق الرياضيّات؟


تمثال إمرأة فلسطينية


خطبة الهندي الأحمر الأخيرة



الجمعية الفلسطينية لتطبيق حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية


رسومات

تنويعات على العلم الفلسطيني




الرئيسية > فلسطين >

برنامج إقامة الدولة الفلسطينية وإعادة تكوين الحركة الوطنية الفلسطينية: النيوليبرالية بصفتها تحرراً

 
رجا الخالدي وصبحي سمّور

إن برنامج إقامة الدولة الفلسطينية بحلول سنة 2011، في إطار بناء مؤسساتي نيوليبرالي، يعيد تعريف النضال التحرري الفلسطيني ويحرف مساره. وكاتبا هذه المقالة يركزان على أبعاده الاقتصادية، وتحديداً على الفكر النيوليبرالي الموجّه إليه، والذي يتجاوز التطبيقات الضيقة للسياسة الاقتصادية، إذ يعتبران أن هذا البرنامج عاجز عن أن يشكّل قابلةً قانونية للاستقلال، أو استراتيجيا للتنمية الاقتصادية الفلسطينية، ويزعمان أن نقاط ضعفه لا تنبع فقط من عجز النيوليبرالية عن توفير نمو اقتصادي بصورة عادلة في أرجاء المعمورة، بل من أن "الحوكمة" النيوليبرالية في ظل الاحتلال، مهما تبدُ "جيدة"، عاجزة عن أن تكون بديلاً من النضال الأشمل في سبيل الحقوق الوطنية، أو أن تضمن الحق الفلسطيني في التنمية والتطور.

برزت "حركة التحرير الوطني الفلسطينية" في مطلع ستينيات القرن الماضي، وكان هدفها الأساسي "تحرير الأرض والانسان" من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. أمّا اليوم، وفي ظل تسارع الأنشطة الاستعمارية في جميع أنحاء فلسطين، ومع بقاء اللاجئين الفلسطينيين – المحرومين من حقوقهم الوطنية والمدنية والإنسانية – مشتّتين في أرجاء العالم، فإن هذا الشعار يرن كصدى محرج راجع من زمن غابر.(1) لقد أصبح فشل استراتيجيا الكفاح المسلح في تحقيق أهدافها القصوى (قبل سنة 1967) أو حتى المحدودة (بعد سنة 1988)، واضحاً للعيان مع قمع الانتفاضة الثانية، وثبت، في هذه الأثناء، أن استراتيجيا التحرير البديلة والمتمثلة في تحرير جزء من فلسطين التاريخية من خلال المفاوضات والدبلوماسية، هي بالقدر نفسه من العبثية.

كانت حركة التحرير الوطني الفلسطينية في إبان انطلاقتها جزءاً لا يتجزأ من مشروع سياسي أوسع للنضال ضد الاستعمار يرمي إلى إرساء نظام عالمي عادل، لكن بعدما استلمت الحركات التحررية الاستقلالية مقاليد السلطة في بلادها، فشل معظمها في الوفاء بوعوده، لا بل سمحت هذه الحركات لعلاقات الإنتاج والتبادل النيوكولونيالية بدعم سلطتها الخاصة، وبضمان امتيازات البورجوازية الوطنية و"المستثمرين العالميين".(2) وقد استُكملت مؤخراً، دينامية هذه العلاقات بـ "منطق" النيوليبرالية والعولمة الذي لا يُقاوَم – وأبلغ الأمثلة لذلك هو احتضان المؤتمر الوطني الإفريقي للنيوليبرالية ولـ "العلاج بالصدمة" النيوليبرالي، وكذلك صعود "الأوليغارشية" (حكم القلّة) في دول الشرق الأوروبي والمعسكر السوفياتي السابقين.(3) فحينذاك، كما الآن، حلّت النيوكولونيالية والنيوليبرالية [في البلدان المستعمرة سابقاً التي نالت الاستقلال]، ومن هذا المنطلق، فإن برنامج إقامة الدولة الفلسطينية الذي عنوانه "إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة"، يشكل حالة استثنائية. فهذا البرنامج الآتي وسط منازعة تاريخية بشأن شرعية الحركة الوطنية الفلسطينية، وفي أعقاب انقسامات سياسية لا مثيل لها، ومميتة لجميع الأطراف، هو خطة استراتيجية جديدة تبدو ظاهرياً "نابعة من الداخل"، وتهدف إلى إقامة الدولة من خلال بناء نيوليبرالي للمؤسسات. وهذا التحرير الوطني من خلال النيوليبرالية، والذي يحظى بدعم عالمي متنامٍ، يعيد تعريف النضال التحرري الفلسطيني كما كان يُعرف حتى هذه المرحلة.

لقد سَبَرَتْ فصلية The Journal of Palestine Studies مؤخراً، وفي مقابلتين، طريقة التفكير السياسية والاقتصادية لأبرز دعاة هذه الاستراتيجيا، أي لكل من رئيس حكومة السلطة الفلسطينية سلام فياض، والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الفلسطيني (والمستشار الاقتصادي لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ولرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس)، محمد مصطفى.(4) وهذه الورقة، التي لا تتناول قطاع غزة وأوضاعه الاقتصادية،(5) ليست تعليقاً على هاتين المقابلتين بقدر ما هي مراجعة لعقيدة worldview النيوليبرالية [وهي عقيدة تؤمن من بين ما تؤمن بأن دور الدولة يكون باحتكام الاقتصاد الوطني إلى منطق و"قوانين" السوق الحرة] التي تحكم الفكر السياسي والاقتصادي الفلسطيني الجديد، والتي، بحسب رأينا، تعرّض للخطر مشروع التحرير الوطني الفلسطيني لما تحويه من أخطاء الإهمال أو الإغفال.(6)
برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة؟

منذ احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في سنة 1967، وقعت موجات متكررة من المقاومة المسلحة والشعبية التي واجهتها إسرائيل بالقمع الشديد، وبالعقوبات الاقتصادية، ثم بترميم متدرج للعلاقات بالفلسطينيين، وبإغراءات اقتصادية بغرض التهدئة. وتشكل سياسة "السلام الاقتصادي" الإسرائيلية أحدث هذه الإغراءات، وقد شملت فصولها السابقة سياسة موشيه دايان للجسور المفتوحة والاستعانة بالنخب التقليدية في سبعينيات القرن العشرين، والإدارة المدنية الإسرائيلية لمناحم ميلسون وروابط القرى الفلسطينية في ثمانينيات القرن العشرين. لكن بروتوكول العلاقات الاقتصادية لسنة 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أعطى معنى جديداً بالكامل "للتهدئة" بما حمله من تباشير "عوائد السلام"، ومن المنافع المادية لشريحة حديثة من بيروقراطيي منظمة التحرير الفلسطينية العائدين من المنفى، ولبنى "الإدارة الذاتية" المستوحاة من اتفاق أوسلو.(7)
وكانت المكاسب الاقتصادية الممنوحة خلال فترات "الهدوء" الظاهر و"النمو"، اعتباراً من سنة 1967، قابلة للتراجع بسهولة، ولم تؤدِّ هذه الاستراحات إلاّ إلى إفراغ المقاومة الفلسطينية من محتواها، والتي استمرت بأساليب متعددة منذ بداية الاحتلال. وفي الواقع، كانت النتائج الاقتصادية الجلية الوحيدة هي التآكل المنتظم لإمكانات تنمية فلسطين، وتراجع رأسمالها البشري، والاستنزاف المتدرج لمواردها الطبيعية.(8)

أمّا اليوم، وبعد أن أصبح فشل الكفاح المسلح ملموساً لمس اليد، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تقدّم إلى الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية برنامجاً مبنياً على تحقيق النمو والازدهار من دون أي استراتيجيا مقاومة، أو تحدٍّ لنظام الاحتلال. وهذا البرنامج مستوحى من نموذج الحوكمة النيوليبرالية الآخذ في الانتشار في المنطقة، في الدول النيوكولونيالية في أرجاء العالم، والتي تبقى، اجتماعياً وثقافياً وسياسياً، مخلوقاً دخيلاً وليدة المؤسسات الدولية المالية التي مركزها واشنطن. واقترنت الانعطافة النيوليبرالية للسلطة الفلسطينية بتولي سلام فياض رئاسة الحكومة الفلسطينية اعتباراً من سنة 2007، في أعقاب اندلاع الصراع بين حركتَي فتح وحماس، وتأليف حكومتين منفصلتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. بيد أن تكوين هذه الأيديولوجيا في السياق الفلسطيني هو أعمق ويعود إلى فترة زمنية بعيدة جداً.

وتهدف خطة بناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية إلى توفير الجهوزية الوطنية لإقامة دولة فلسطينية بما لا يتجاوز أواسط سنة 2011، ويرتكز هذا البرنامج كلياً على الافتراض السهل أنه بحلول هذا التاريخ، ستكون إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية قد أحرزتا تقدماً ملحوظاً نحو التوصل إلى اتفاق الحل النهائي، أو على الأقل نحو الاعتراف بدولة ذي حدود متفق عليها. ويكرر تقرير التقدم الفصلي للسلطة الفلسطينية الذي نُشر في آب/أغسطس 2010، وعنوانه "موعد مع الحرية"، هذا الإطار الزمني، كما أن تصريحات فياض الأخيرة أكدت إيمانه بهذا الحدث الوشيك.(9)
وفي حال عدم حدوث اختراق في جدار المفاوضات المراوغة أصلاً، فإن بقاء دولة مولودة يصبح، في أوضاع كهذه، مرهوناً بالاعتراف الدولي غير المضمون – مع أن المطلوب اليوم، وبكل تأكيد، هو أكثر من مجرد لفتة رمزية بالاعتراف من طرف أكثر من 100 دولة، بـ "إعلان الاستقلال" الذي أعلنته منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1988. وفي أي حال، وفي غضون عامين من العرض الاول للبرنامج المذكور، فإنه من المفترض إيجاد "حقائق مؤسساتية ميدانية" تحظى بدعم شعبي عارم، وتبرهن للعالم أجمع أن الفلسطينيين جاهزون لإقامة دولتهم.

وفي هذه الأثناء، فإن تمويل الجهات المانحة لخزينة السلطة الفلسطينية تخطى مبلغ 1.5 مليار دولار أميركي سنوياً منذ سنة 2007، ومع تحسن الوضع الأمني الداخلي بالتدريج، بدأ الاقتصاد الفلسطيني ينتعش في سنتَي 2009 و2010، بعد تراجع دام ثمانية أعوام. واستُبشر خيراً بنسبة 8%، أو أكثر، من النمو الاقتصادي في الضفة الغربية اعتباراً من سنة 2008، بصفتها البراعم الخضراء الأولى للخطة الإصلاحية للسلطة الوطنية الفلسطينية، كما نُظر إلى طفرة العمران المدني، وإلى معارض السيارات، والفنادق العالمية، والمطاعم الراقية، وأنظمة تجارة الأسهم الافتراضية، والحكومة الإلكترونية، على أنها برهان على اقتصاد نابض بالحياة. ولا شك في أن هذه التطورات أعطت صدقية لسردية "اما إقامة الدولة – اما الانهيار"، الأمر الذي أوجد شيئاً أقرب ما يكون إلى "فقاعة السلام الاقتصادي" المنبثقة من رام الله. ويعتقد محمد مصطفى أن السياسة الاقتصادية للسلطة الوطنية الفلسطينية في ظل اتفاق سلام مبرم قد يولد نمواً اقتصادياً سـنوياً بنسبة 20%(10) - وهي نسبة كان يمكن لأكثر البلاد الآسيوية النامية نجاحاً أن تحلم بها فقط، الأمر الذي يُذكّر أيضاً بتسويق السلطة الوطنية الفلسطينية لغزة في أواسط تسعينيات القرن العشرين على أنها سنغافورة المقبلة.

إن برنامج بناء الدولة الذي تطرحه السلطة الوطنية الفلسطينية، استناداً إلى أصالة توجهات مهندسَيْه الرئيسيَّين،(11) مفعم بالمناشدات المغرية إلى التعددية، والمحاسبة، وتكافؤ الفرص، وتمكين "المواطنين"، وحماية حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتوفير الدولة للخدمات والسلع العامة بكفاءة عالية. وتعكس خطة بناء الدولة، وكذلك "خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية" لسنة 2008 المشمولة فيها، بأمانة كبيرة، أجندة السياسة الاقتصادية المعلنة في عقيدة ما اصطُلح على تسميته "إجماع ما بعد واشنطن" (PWC)، الذي تجسده مؤسسات بريتون وودز (BWI)، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.(12)
إن المراجعة التي هي بلاغية أكثر منها جوهرية،
لما كان يعرف سابقاً بـ "إجماع واشنطن" تعكس شكلاً "أشمل" من النيوليبرالية، من دون التخلي عن الموقع المركزي لحرية الاقتصاد وضبط الإنفاق في الميزانية العامة، واللمسة الخفيفة من تدخّل الدولة المنظِّم. وكان الانتقال إلى "إجماع ما بعد واشنطن" نتيجة حتمية للخيبة السياسية والفكرية على صعيد عالمي (وحتى من داخل المؤسسات المعنية) من هزالة نتائجه [إجماع واشنطن] وقصور أسسه النظرية. وفي المقابل، فإن "إجماع ما بعد واشنطن" يفترض أن تكون الدولة دولة قادرة ومستجيبة تحافظ على الأمن والنظام العام، وتضمن تكافؤ الفرص، وتقوّي مواطنيها الذين تقع عليهم المسؤولية الأخلاقية لجهة الاعتماد على أنفسهم عوضاً عن الاتكال على الدولة الراعية والأبوية.(13)
وبالنسبة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، فإن إنجاز بناء الدولة الفلسطينية يعتمد، على الأقل، على أربعة مكونات مترابطة ومتضافرة، ومعلن عنها بتعابير لا لبس فيها، في وثائقها الرئيسية التي تكرر خطاب "إجماع ما بعد واشنطن"، وهي أولاً، ضمان الأمن العام وسيادة القانون. فاحتضان خطة السلطة الوطنية الفلسطينية الكامل لمبدأ الارتباط الوثيق بين الأمن والتنمية الخاص، والموجود في "إجماع ما بعد واشنطن"، واضح تماماً من تخصيصها مبلغ 228 مليون دولار لبرنامج تغيير القطاع الأمني وإصلاحه للفترة 2008 – 2010. وهذا الرابط الذي لا توجد بموجبه تنمية مستدامة من دون قانون ونظام – وبالعكس، لا يوجد أمن مستدام من دون تنمية – كان هو التعويذة التي دأب على تكرارها على مر السنين ليس الجهات المانحة فحسب، بل الحكومة الإسرائيلية أيضاً. وقد استغل الإسرائيليون هذا المنطق الدائري لمصلحتهم، ووضعوا شروطاً أمنية تعجيزية على السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي، وفّروا ذرائع مسبقة للتضييق على الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية.(14)

المكوّن الثاني هو الالتزام ببناء مؤسسات خاضعة للمساءلة والمحاسبة، وهو السمة المميزة لتصريحات وسياسات حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية الحالية، كوسيلة للتمايز من حكومات "فتح" السابقة. وتقضي خطة بناء المؤسسات بأن تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية بـ "تحسين متواصل لأداء القطاع العام، وضمان شفافيته ومحاسبته، وذلك عبر إصلاحات غايتها وقف الهدر ومكافحة عدم الكفاءة وممارسات الفساد."(15) وتجدر الإشارة إلى أن هناك قلة من المؤسسات المستحدثة التي تتميز بوظائف اقتصادية سيادية، هذا إذا وُجدت، لكن السلطة الوطنية الفلسطينية في الواقع، تواصل التمسك بأهداب مؤسسات مضى على تصميمها خمسة عشر عاماً لخدمة "حكم ذاتي" انتقالي مصمم لمدة خمسة أعوام. فضلاً عن ذلك، فإن معظم "الإصلاح المؤسساتي" تميّز بالتركيز المفرط على تعزيز الميزانية العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، والخاضعة لسيطرة رئيس الحكومة المطلقة.
المكوّن الثالث لنموذج حوكمة السلطة الوطنية الفلسطينية هو توفير الخدمات بصورة فاعلة كوسيلة لكسب المشروعية من المواطنين والمستثمرين في آن واحد. وكان السعي لتحقيق هذا الهدف، والذي يسَّره تركُّز السلطات المالية – وبعض السلطات السياسية والأمنية – في يد شخص واحد، على رأس الأولويات، لأن تحسين الخدمات البلدية، وعمل المرافق العامة، وحتى بعض الخدمات الاجتماعية الأساسية، هي، في الأساس، في متناول أدوات الحوكمة المحدودة التي تملكها السلطة الوطنية الفلسطينية.

وبعد الاستجابة لاعتبارات الأمن وسيادة القانون، فإن وجود المؤسسات الخاضعة للمساءلة والمحاسبة، والتوفير الفاعل للخدمات، وضمانها من طرف السلطة الوطنية الفلسطينية، رفعت الحوكمة الرشيدة إلى مصاف "الهدف الوطني بحدّ ذاته ولذاته في آن واحد،"(16) وهذا هو المكوّن الرابع المسبق لبناء الدولة: نمو القطاع الخاص، والذي يتطلب "عملية شاملة من الإصلاح القانوني والتنظيمي والإداري.... كجزء من السعي لتحقيق قدر كبير جداً من الاعتماد على الذات اقتصادياً"،(17) الأمر الذي يعني أن تدخّل الدولة في الاقتصاد يجب أن يقتصر على الاستثمار في البنية التحتية العامة، وعلى إيجاد مؤسسات صديقة للسوق، وعلى عدم تدخّل الدولة مباشرة إلاّ عند إخفاق فاعلية عمل الأسواق. وبتعبير آخر، فإن مفهوم السلطة الوطنية الفلسطينية لدور القطاع العام يستند إلى استراتيجيا التنمية المدفوعة بالتصدير، وعلى سياسة ماكرو – اقتصادية "سليمة"، أي تلك التي خضعت ادعاءاتها النظرية للتشكيك في الآونة الأخيرة، منذ أن جرى نعي ودفن هذا النموذج التنموي مع الأزمة المالية العالمية الأخيرة.(18)

وأياً تكن عيوب السياسات الاقتصادية للسلطة الوطنية الفلسطينية، فإنه يجب ألاّ يُفهم أن السلطة منفصلة عن الواقع، ذلك بأن راسمي خططها يعترفون، ومن دون تردد، بالتحديات التي يواجهونها، فهم يدركون أن هذا النمط من بناء المؤسسات الذي يسعون لتحقيقه لا يملك الآليات الذاتية لتحفيز النمو، وهم يعون بالكامل تسارع وتيرة الأنشطة الاستعمارية، وأن إسرائيل تتحكم في معظم القرارات الاقتصادية الحساسة، حتى إنهم يعترفون بأن استراتيجيتهم ليست بديلاً من السياسة، فهم يقضون ساعات عديدة في التفاوض مع إسرائيل للحصول على موافقة سلطة الاحتلال على بناء طرق، واستيراد معدات، وإقامة مناطق صناعية، وتسريع تخليص المعاملات التجارية على الحدود، وخفض تكاليف المعاملات، إلخ. لكن الأمر الذي يصعب فهمه هو أنهم لماذا، على الرغم من إدراكهم هذا كله، يستمرون في الانخراط مجدداً في مسارات حددتها معايير الاحتلال إياها التي تكفل العبث واللاجدوى؟
وبالنسبة إلى تصوّر السلطة الوطنية الفلسـطينية لـ "الممكنات"، فإن هذا البرنامج يمثل أفضل خيار سياسي لـ "سلطة وطنية" عاجزة تكافح للحفاظ على دورها الحيوي كالمزود الوحيد الباقي للخدمات، وبالتالي على مشروعيتها ومنطق وجودها. علاوة على ذلك، فإن فرص النجاح الاقتصادي الشخصي المتاحة في سياسات السلطة الوطنية الفلسطينية، تمثل قوة جذب كبيرة للطبقة الوسطى الفلسطينية، وربما تصلح لأن تكون منطلقاً قوياً للمطالبة بالمشروعية السياسية. إلاّ إن هذه استراتيجيا محفوفة بالمخاطر وغير مجرَّبة، إذ بقدر ما تكون السلطة الوطنية الفلسطينية منظوراً إليها من طرف ناخبيها كامتداد للاحتلال، فإن هذه الاستراتيجيا ستعطي عكس النتائج المرجوة، وخصوصاً إذا مر "الموعد مع الحرية" بحلول سنة 2011، من دون تحرير.(19)

غير أن رؤية مخططي سياسات السلطة الوطنية الفلسطينية وداعميهم المؤثرين هي أكثر إشكالية من المنظور التنموي، إذ إنهم يعتبرون أن هذا البرنامج هو أفضل خيار اقتصادي – ليس لمستقبل ما بعد التحرير فحسب، بل للحاضر أيضاً، أي تحت الاحتلال ومن دون سيادة وطنية. وما يثير الدهشة هو السهولة التي قبل بها هذا الشعب الذي يكافح في سبيل استقلاله وهويته منذ أجيال، فكرةَ أن هذا البرنامج هو أفضل خيار اقتصادي. والمحيّر أيضاً، قياساً لعراقة مشاركة الفلسطينيين في النقاش السياسي التعددي والنابض بالحياة، هو حماسة السلطة الوطنية الفلسطينية للسياسة النيوليبرالية، وتصويرها على أن لا بديل منها وأن صدقيتها لا نقاش فيها، عدا اعتراضاتٍ لمحللين معدودين، وأحياناً، لمنظمة غير حكومية دولية، أو لهيئات تابعة للأمم المتحدة (وحتى لو كانت بعضها تبقى منقوصة).(20) وفي حين أن سياسة "حماس" الاقتصادية لم تحظَ بفرصة للتطور، فإن الممارسات الاقتصادية في قطاع غزة، اتخذت، تحت وطأة الأوضاع، منحى تحقيق الاكتفاء الذاتي والتماس الريع (إدارة اقتصاد الأنفاق). وفي غضون ذلك، شغل بعض المثقفين الماركسيين و"اليساريين" المنتمين إلى حركة "فتح"، مناصب وزارية في حكومات سلام فياض المتعاقبة منذ سنة 2007، محتضنين البرنامج النيوليبرالي، وبالتالي خاضعين للهيمنة الأميركية ومعززين وكالتها المحلية.
تناقضات الأجندة النيوليبرالية للسلطة الوطنية الفلسطينية
إن الامتداد العالمي للنيوليبرالية مرتبط ارتباطاً غير منفصم بالمصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأميركية، وبمؤسسات بريتون وودز الخاضعة لها.(21) أمّا في منطقة الشرق الأوسط، فإن المصالح الجيوسياسية الأميركية ومخططات سياسات مؤسسات بريتون وودز، تتمحور في المقام الأول، حول ضمان بيئة مستقرة لكل من إمدادات النفط، والاستثمارات الأميركية في المنطقة بدلالتها الموسعة، والفائض المالي لبلاد "مجلس التعاون الخليجي". وكم يتناغم مصيرياً تحرير الاقتصاد والأصناف الجديدة لمبادرات التجارة مع أجندة التطبيع السياسي والاقتصادي مع إسرائيل ("الشرق الأوسط الجديد").(22)
لقد بدأ احتضان نظم الحكم العربية ونخبها للسياسات النيوليبرالية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وأساساً في دول شمال إفريقيا، بصفتها ترياقاً مزعوماً لاستراتيجيات التنمية الاشتراكية أو الدولتية الفاشلة. وكانت سياسة "الانفتاح" الساداتية قد ضبطت النغمة، ليس باعتبارها احتضاناً لتحرير التجارة والاقتصاد، وإنما من أجل تخفيف ضوابط الدولة على الاقتصاد. وقد أُطلقت الأجندة النيوليبرالية في الأردن في إبان توقيع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية، التي أوجدت فرصاً جديدة أمام الصادرات الإسرائيلية من سلع ورساميل.

وفي أكثر الأحيان، شهدت البلاد التي نفّذت إصلاحات نيوليبرالية ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، المترافق في معظم الحالات مع صعود طبقة اجتماعية جديدة من أولئك الذين ارتبطت ثرواتهم الحديثة بخصخصة مرافق الدولة وبتحرير الاقتصاد.(23) وفي الآونة الأخيرة، وُصفت السياسات النيوليبرالية المتطرفة والمفروضة في أثناء الاحتلال الأميركي للعراق – بدءاً برفع القيود عن تملّك الأجانب، مروراً بالخصخصة على نطاق واسع، ووصولاً إلى تعرفة جمركية موحدة منخفضة بمقدار 5% على جميع المستوردات، وإلى أدنى معدلات ضريبية في العالم – بأنها "بناء للدولة بالعكس".(24)
إن الانعطافة النيوليبرالية للسلطة الوطنية الفلسطينية يجب أن تُوضع في سياق الجهود الطويلة الأجل لإعادة تكوين دول منطقة الشرق الأوسط واقتصاداتها، وكذلك المنطقة ككل. إنها استجابة لمحاولة ترعاها الولايات المتحدة الأميركية لتدعيم قيادة فلسطينية "معتدلة" ومطواعة أكثر، ولدمج إسرائيل في المنطقة بدلالتها الموسعة، ولإدارة الصراع (وليس حلّه). وكانت محاولات دفع السلطة الوطنية الفلسطينية إلى احتضان النيوليبرالية قائمة قبل تكوُّن السلطة في سنة 1994، وذلك في سياق دور مؤسسات بريتون وودز والفكر النيوليبرالي الصاعد، من خلال ما سمي "مجموعة عمل التنمية الاقتصادية الإقليمية" [1993] المنبثقة عن مفاوضات مدريد المتعددة الأطراف، والسابقة لاتفاق أوسلو، والتي شاركت فيها منظمة التحرير الفلسطينية.
وبحلول سنة 1993، كان قد دخل إلى الحلبة اقتصاديو هارفرد وخبراء البنك الدولي، بالتعاون مع اقتصاديين فلسطينيين عديدين. وأوصى هؤلاء جميعاً بمجموعة معقولة من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية لتوجيه السلطة الوطنية الفلسطينية، خلال خمسة أعوام من الحكم الانتقالي، نحو الاستقلال.(25) وعلى نحو مماثل، فإن دراسة تفصيلية لمجلس العلاقات الخارجية (بالتعاون مع خبراء فلسطينيين)، طرحت مقولة أن تنفيذ إصلاحات الحوكمة الرشيدة، وسيادة القانون، والسياسات الكفيلة بتوفير مناخ ملائم للاستثمار، هي شروط ضرورية مسبقة لتحقيق الاستقلال الفلسطيني.(26)

ولدى تعيين وتحديد السياسات النيوليبرالية "القائمة حقاً" والتي تطبقها السلطة الوطنية الفلسطينية، فإنه من المهم أن نوضح التناقض الظاهر بين القدرات المؤسساتية للسلطة الوطنية الفلسطينية وحدود إمكاناتها. فحتى لو أرادت السلطة الوطنية الفلسطينية سلوك استراتيجيا تنمية بديلة، لكان اعترض طريقها الضغط الأميركي، والوقائع البنيوية للاحتلال الإسرائيلي، والارتهان للجهات المانحة، ومدافعة مؤسسات بريتون وودز [عن طروحاتها]. فجميع هذه العوامل ساهم في خفض "حيّز السياسة" إلى حدّه الأدنى – والمقصود هنا هو حرية تقرير السياسات الاقتصادية من دون إكراهات خارجية مكبِّلة، وهذا الوضع لا يزال هو نفسه اليوم. وأن يكون حيّز السياسة المتاح محدوداً يعني أن السلطة الوطنية الفلسطينية محرومة من أدوات السياسة المطلوبة لتنفيذ فعلي للحزمة المتكاملة من السياسات النيوليبرالية المعهودة.

وعلى الرغم من هذه المحدودية، فإن برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية يحاول استغلال أي حيّز سياسة وطني متاح (ولا سيما المالي الذي في متناول إمكاناته) في سبيل دفع أجندة نيوليبرالية قدماً. ولهذا، فإن من اللافت جداً أن ما تمثله خطة بناء الدولة للسلطة الوطنية الفلسطينية، في أحسن الأحوال، هو استراتيجيا لتوسيع حيّز السياسة الوطني، في سبيل توسيع الإطار النيوليبرالي، بحيث يشمل مجالات لا سلطة لها عليها حالياً، بسبب التكوين الحالي لنظام الاحتلال الإسرائيلي. وهذه اللحظة التاريخية الحالية تحاكي نقل القليل من سلطة الحوكمة الاقتصادية في مرحلة سابقة من الاحتلال الإسرائيلي إلى السلطة الوطنية الفلسطينية المستحدثة. وكما أصبح جلياً مذاك، فإن هذا النقل في سنة 1994، أفضى إلى تحويل أعباء الاحتلال والتزاماته وتكلفة تمويله، إلى أكتاف محلية.
وليس ثمة حاجة إلى البحث بعيداً عن أمثلة للمحدودية القصوى لحيز السياسة للسلطة الوطنية الفلسطينية، فمن دون مصرف مركزي مستقل لا تستطيع السلطة الوطنية الفلسطينية خفض معدلات الفائدة أو التضخم، أو تحديد سعر صرف تنافسي للعملة، دعماً للنمو الاقتصادي المدفوع بالتصدير – وهي الإجراءات المألوفة التي ينصح بها أي برنامج نيوليبرالي تقليدي. وعلى نحو مماثل، فإن التزام السلطة بالبروتوكول الاقتصادي مع الجانب الإسرائيلي يعني أنها لا تستطيع، بصورة مستقلة، خفض التعرفات الجمركية أو ضرائب القيمة المضافة، وعليه، فإن برنامجها لتحرير التجارة يجب أن يسير في ركاب البرنامج الإسرائيلي، كما أنه لم يبق كثير أمام السلطة الوطنية الفلسطينية لخصخصته، نظراً إلى أن الملكية العامة للاتصالات جرى بيعها في وقت سابق لمستثمرين في القطاع الخاص في عهد ياسر عرفات. علاوة على ذلك، فإن أغلبية الموجودات العامة الباقية، أي المنشآت التي تملكها السلطة أو التي لديها أسهم فيها، وكذلك إيرادات الامتيازات والاحتكارات العامة، أصبحت مدمجة في "صندوق الاستثمار الفلسطيني"، وذلك عقب تنفيذ إصلاحات الميزانية وشفافية المالية العامة في سنة 2003، تطبيقاً لمبادئ "ميثاق صندوق النقد الدولي" بشأن الشفافية [أُعدّ في سنة 1998].(27)

وحتى مجالات السياسة النيوليبرالية التي للسلطة الوطنية الفلسطينية بعض السلطة الشكلية عليها، فإنها مطوقة بشدة بالحقائق البنيوية للاحتلال الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، فإن مؤتمر فلسطين للاستثمار الأول الذي عُقد في بيت لحم في أيار/مايو 2008، في إطار إعلان "فلسطين تفتح أبوابها أمام الأعمال" بغية جذب الاستثمار الخارجي المباشر،(28) أفضى إلى الإعلان المحتفى به كثيراً بشأن تمويل الحكومة القطرية لأول مدينة فلسطينية نموذجية مخططة تخطيطاً مدنياً، هي الروابي. بيد أن المشروع الذي ابتدأ في مطلع سنة 2010، تأجل مراراً لصعوبة الحصول على التصاريح الإسرائيلية في كل مرحلة من مراحل التخطيط والإنشاء، ولا يزال اليوم عرضة للمماطلة بذريعة "دواعٍ بيئية".(29)

(توجد صورة هنا)

رأس تل يجري تحضيره، في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2010، من أجل بناء مدينة الروابي، وهي أول مدينة فلسطينية مُخططـة في الضفة الغربيـة، ومصممة لتتسع لـ 40.000 شخص غداة استكمال بنائها. وقد ثار جدل بشأن هذه المدينة لدى كل من الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني منذ بداية المشروع.
المصدر: عباس مومني/ Getty Images/AFP.

إن حقائق الاحتلال الإسرائيلي ومصادرة الأراضي الفلسطينية المتواصلة، بالتضافر مع سلطة قضائية محدودة جداً للسلطة الوطنية الفلسطينية، تمنع التطبيق الكامل لوصفة أُخرى من سياسات مؤسسات بريتون وودز، ألا وهي حماية وتعزيز حقوق الملكية المحددة تماماً، فهما شرطان مسبقان لتأمين بيئة صديقة للاستثمار، بحسب تصوّر السياسة الاقتصادية النيوليبرالية. وبكلام آخر، فإنه مهما تبذل السلطة الوطنية الفلسطينية من جهود لعرض الضفة الغربية كمقصد جاذب للاستثمار، ومهما يحاول توني بلير الحصول على موافقة إسرائيل على هذا التصريح أو ذاك المشروع، فإن إسرائيل لا تزال هي الآمر الناهي، وهذا من شأنه تأخير أو إحباط محاولات الاستثمار التي يبذلها مستثمرون دوليون وفلسطينيون، بل إن هذا ما يحدث فعلاً.

أمّا الحيز الوحيد المتاح أمام السلطة الوطنية الفلسطينية لممارسة مجديـة للسياسات النيوليبرالية فيقع ضمن مجال السياسة المالية، ولا سيما من خلال: أ) خفض الإنفاق العام (وتحديداً نفقات الأجور والرواتب في القطاع العام وما يُعرف بـ "صافي الإقراض")؛ ب) زيادة الإيرادات الضريبية.(30) فالسلطة الوطنية الفلسطينية تريد خفض نفقات الأجور عبر حزمة من التسريحات، وتجميد التوظيف (باستثناء قطاعَي الصحة والتعليم)، وتجميد أجور ورواتب مستخدمي القطاع العام لخفض حصتها من الميزانية من 27% إلى 22% في نهاية سنة 2010.(31) وقد وصف مراقبون حجم التسريح الذي يصل إلى نحو 40.000 شخص من موظفي القطاع العام، بأنه "ربما أقسى هجوم على أي قطاع عام في بلد شرق أوسطي في التاريخ الحديث."(32) وستظل قدرة بيروقراطية السلطة الوطنية الفلسطينية على مقاومة هذه الإجراءات في قيد النظر.

إن "صافي الإقراض" هو دعم السلطة الوطنية الفلسطينية غير المباشر للعملاء أو البلديات الذين فشلوا في سداد فواتير الخدمات العامة المستحقة لشركات إسرائيلية، وذلك بما تخصمه إسرائيل من إيرادات المقاصة التي تحصل عليها السلطة الوطنية الفلسطينية من الحكومة الإسرائيلية. وقد حاولت هذه السلطة خفض هذا الخصم عن مستوى 10.6% من الناتج المحلي القومي الفلسطيني،(33) من خلال مطالبة المواطنين بإثبات سدادهم فواتير الخدمات العامة قبل أن يُسمح لهم بطلب وثائق مدنية، لكنها اضطرت إلى التراجع عقب عاصفة من الاحتجاجات الشعبية،(34) إلاّ إنها بدأت في الوقت ذاته تنفيذ خطة لتركيب نحو 300.000 عداد كهرباء في المنازل الفلسطينية لوضع حد لما يوصف بـ "ثقافة الاستحقاق" في خطاب مؤسسات بريتون وودز. وسيشمل هذا التدبير بلدات اللاجئين وقراهم ومخيماتهم، الأمر الذي يذكّر بتركيب عدادات [المياه] في مدينة سويتو في جنوب إفريقيا (الطليعية في النضال ضد التمييز العنصري) قبل عقد مضى. فآنذاك كما اليوم، يتم تبرير قطع الخدمات عن المنازل التي لا يشملها تعريف الحكومة لـ "الفئات الضعيفة"، باعتبارات السوق، أي بما يوصف بأنه إدارة سيئة لموارد المنزل.(35)
إن محاولات الإصلاح المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية تواجه حتماً، في ظل أوضاع الاحتلال، عقبات بالغة الصعوبة، فهي مثقلة بعجز الميزانية الكبير والمزمن،(36) والذي لا يعني ارتهاناً مطرداً للمساعدة الخارجية فحسب، بل موارد أقل لنفقات التنمية أيضاً (كالنفقات الاستثمارية في البنية التحتية العامة). ومن شأن التزام السلطة الوطنية الفلسطينية العلني ببذل قصارى جهدها لخفض الارتهان بالمساعدة الخارجية أن يفاقم الحالة الاقتصادية الهشة، نظراً إلى معدلات التضخم العالية، المستوردة في الغالب، وإلى معدل البطالة الذي تخطى نسبة 20%، وإلى كون ثلث السكان يعيش تحت خط الفقر، وإلى واقع أن هناك أسرة واحدة من مجموع خمس أسر تعتمد مباشرة، أو غير مباشرة، على الوظيفة العامة التي تؤمنها السلطة.(37)

وكما يُستشف من بنود خطة التنمية والإصلاح الفلسطينية، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تسعى لزيادة الإيرادات الضريبة من خلال إجراءات إدارية تهدف إلى تحسين فاعلية الجباية المحلية وعوائد الجمارك، فضلاً عن أنها تدرس إمكان إدخال ضرائب جديدة على الورثة وعلى العقارات. وتعكس مقاربة السلطة الوطنية الفلسطينية لخفض العجز تركيزاً أوسع على بند الإنفاق في معادلة الميزانية العامة كما أسلفنا.

وعلى الرغم من أن المكاسب الاقتصادية من سياسات كهذه هي قابلة للتراجع عنها، فإن من المتوقع ألاّ تحيد السلطة عن مسار هذه الإصلاحات، لا بل إن توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تنصح بإصلاحات أشمل، مع أنها تعترف في الوقت نفسه بأن الاحتلال الإسرائيلي يقوّض الإنجازات المحدودة والضئيلة لهذه الإصلاحات.(38) لكن هذا التركيز الهوسي على الإصلاح المفتوح بلا حدود سيجعل الاحتلال متوارياً أكثر عن أنظار الفلسطينيين، وأقل تكلفة لإسرائيل وللجهات المانحة، وبالتالي، أكثر فاعلية، ومع ذلك، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية تأمل بأن يعوض انتعاش القطاع الخاص الفلسطيني الانعكاسات السلبية لهذه الإجراءات. وإذا افترضنا أن الدعم المقدّم من المانحين للاقتصاد سيستمر، فإن الفكرة هي أن القطاع الخاص – المطمئن إلى أن إصلاحات السلطة الوطنية الفلسطينية ستوجِد مؤسسات صديقة للاستثمار – سيغدو محرك النمو الاقتصادي. غير أن نمو القطاع الخاص يعتمد إلى حد كبير على تخفيف تقييدات إسرائيل للأنشطة الاقتصادية الفلسطينية، وأول منطق في الأمن الإسرائيلي يوحي بأن تخفيفاً كهذا ربما يصبح وشيكاً إذا تعززت قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية على حفظ "الأمن والنظام"، والذي يشمل إصلاحات في منظومة العدل الجنائي، ومبادرات لتشجيع سيادة القانون، وبرامج لتوعية المواطنين، وتحسين فاعلية المحاكم، وممارسة الشرطة لمهماتها اليومية، وأيضاً إعادة ملء الوظائف الشاغرة في أجهزة أمن السلطة الوطنية الفلسطينية واستخباراتها، وإحالة قدامى منظمة التحرير الفلسطينية على التقاعد – باختصار، المطلوب هو نوع من التغيير السلمي للنظام.(39)

بالتأكيد، وعلى ضوء المشكلات الداخلية العديدة التي ابتُلي بها النظام السياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، كالتدخل السياسي في أحكام القضاء، و"فوضى السلاح"، وغياب الرقابة القضائية، فإن الحاجة إلى التغيير كانت ضاغطة. لكن يتبيّن من مراجعة أولية للإصلاحات القضائية والتشريعية لحكومة سلام فياض، أن نجاحاتها كانت متفاوتة وبطيئة، وأن بناء المؤسسات كان سلطوياً أكثر منه ديمقراطياً.(40)
من ناحية أُخرى، فإن الحكم على جهود السلطة الوطنية الفلسطينية لتعزيز أجهزتها الأمنية، بمساعدة "بعثة الشرطة الأوروبية لتنسيق الدعم إلى الشرطة المدنية الفلسطينية" ["بعثة شرطة الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية"/EUPOL COPPS]، والجنرال الأميركي كيث دايتون [المنسق الأمني بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية]، كان حكماً إيجابياً، إلى حد أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أثنت عليها.(41) ومما لا شك فيه، أن كتائب قوات الأمن الوطني التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي تلقت تدريباً أميركياً، ساهمت في خفض تكلفة الاحتلال، وجعلت الاستعانة بمصادر خارجية، بالنسبة إلى إسرائيل، أكثر فاعلية ممّا كانت عليه في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية السابقة.(42) إلاّ إن هذا النظام الأمني الجديد للسلطة الفلسطينية ترافق، في هذه الأثناء، بتزايد حوادث التعذيب والترهيب وقمع الحقوق المدنية لمعارضي السلطة.(43) وقد تبدو هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان كتناقض إضافي بين الأجندة النيوليبرالية للسلطة الوطنية الفلسطينية وتركيزها على "سيادة القانون"، لكن السلطة الوطنية الفلسطينية ليست هي الحكومة الأولى في العالم التي تُبرهن فائدة الدمج بين النيوليبرالية وقوة ذراع الجهاز الأمني.(44)
وهناك دور من الممكن جداً أن تؤديه قوات الأمن الداخلي في الاقتصاد الفلسطيني الجديد، هو ضمان التدفق السلس للعمال الفلسطينيين المزوَّدين بتصاريح أمنية إلى المناطق الصناعية المقترحة بالقرب من الحدود مع إسرائيل (غالباً في منطقة التماس مع جدار الفصل) للتحايل على الإغلاق الإسرائيلي. وتأمل السلطة الوطنية الفلسطينية بأن مناطق صناعية كهذه، محصورة في معازل، طبقاً للنموذج النيوليبرالي المألوف للتنمية عبر الحدود، والذي يتضمن رأس المال العالمي والعمالة المحلية الرخيصة، ستساهم في استراتيجيا التنمية المدفوعة بالتصدير.

وعليه، فإن استراتيجيا التنمية للسلطة الوطنية الفلسطينية مبنية على التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، وعلى مهمات الشرطة المحلية، والاحتواء الفاعل للمعارضين السياسيين في الداخل، وهي ستتعزز بفضل ذلك كله. وقد كتب شخصان من مؤيدي هذه الاستراتيجيا مؤخراً في صحيفة "وول ستريت جورنال" أن جهود إصلاح القطاع الأمني للسلطة الوطنية الفلسطينية هي "شرط أساسي لا بد منه للتوسع الاقتصادي.... ونموذج لأي برنامج لبناء الدولة بشكل عام."(45) إن هذا التأكيد لا يكتفي بقلب تجربة التنمية الاقتصادية رأساً على عقب، وإنما يبعث برسالة مقلقة بشأن ثمن الذي تكبده النمو الاقتصادي النيوليبرالي.

هكذا، ولأنه ليس للسلطة الوطنية الفلسطينية أي استراتيجيا واضحة لرفع القيود والمعوقات "الخارجية"، فإنها حولت انتباهها نحو ما تعتبره عقبات "داخلية" تعوق بناء الدولة، ويهدف برنامجها إلى اقتلاعها. ومن وجهة النظر هذه، ينبغي لبرنامج بناء الدولة للسلطة الوطنية الفلسطينية أن يغرس خطاب النيوليبرالية وممارستها في داخل المجتمع الفلسطيني، فهنا بالذات، يثبت المفهوم المركزي لسيادة القانون، في خطابات إجماع "ما بعد واشنطن"، قيمته الاستخدامية، ويُستشف من مفرداته التقنية والحيادية الرغبة في الهروب من السياسة، وفعلاً، من الجوهر السياسيلقضية فلسطين . ويُدلّس برنامج بناء الدولة فكرة أن المواطنين ربما يكون عليهم الإذعان للاحتلال من دون أن يُحرموا من فوائد حركة مرور أكثر سلاسة، ومن مناهج تعليمية ليبرالية، ومن خدمات عامة فاعلة، وبالنسبة إلى الطبقة الوسطى، من سلسلة الفنادق الفخمة وعروض الفرق المسرحية العالمية.
وفي إطار جهود السلطة الوطنية الفلسطينية لجعل مؤسساتها شفافة وخاضعة للمحاسبة، ولضمان مستوى أفضل من الخدمات، وُعِدَ المجتمع المدني بوسائل أكفأ للتعبير عن استيائه، وللتبليغ عن البيروقراطيين الفاسدين. والسلطة تأمل بأن ترسي دعائم "ديمقراطية مشاركة"، وتؤسس "اقتصاداً نابضاً بالحياة"، من خلال هذه الاستراتيجيا التي ما إن يتم استبطانها، وبفضل تعهد السلطة بضمان خدمات مؤسسات التعليم والرعاية الصحية الأساسية، سيتمكّن الفلسطينيون – أو هكذا يوهَمون – من المشاركة في الأسواق المحلية والعالمية، ومن التمتع بنصيبهم من فوائد النمو الاقتصادي.

لقد ندد ممثلو السلطة الوطنية الفلسطينية بالسلام الاقتصادي الإسرائيلي الصنع، وبمحاولات إحلاله مكان السلام الحقيقي، لكن إطار السياسة النيوليبرالية الذي يحاولون تركيبه، بالتضافر مع عجزهم عن تحدي إسرائيل ميدانياً (أو في أي مجال آخر)، يعني أن السلطة الفلسطينية ستضطر إلى أن تعتمد على إسرائيل لتسهيل جدول أعمال بناء الدولة. ومن أجل جميع المقاصد والأغراض، فإن هذا يعني التعامل مع السلام الاقتصادي بشكل يتجلى فيه التسامح تجاه الاحتلال، والتعامل الاقتصادي مع إسرائيل وفق المعايير التي تحددها سلطة الاحتلال. ويبقى أن نرى ما إذا كان من بتحدي استراتيجيا السلطة الوطنية الفلسطينية المعادلة لتطبيع النضال الفلسطيني، وتفكيك تسييسه، وتحويله النيوليبرالي، سيستفز غضب جهاز السلطة الأمني "المعاد إصلاحه"، ويتعرض للإقصاء من مؤسساتها.

هل حقاً لا يوجد بديل؟

من المثير لدهشة أن "التملك المحلي" للإصلاح النيوليبرالي [أي المشاركة المحلية في تخطيطه وتنفيذه]، الذي يعلقون عليه أهمية كبيرة، وكما يتجلى في برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية، يأتي في الوقت الذي تولّد الأزمة المالية العالمية أزمةَ مشروعيةٍ بالنسبة إلى النيوليبرالية، إن لم يكن أزمة النيوليبرالية بحد ذاتها. ويبدو اعتماد السلطة لإطار من السياسة الاقتصادية يخضع اليوم للمراجعة من طرف مصمّميه، خياراً غريباً بالنسبة إلى اقتصاد الأراضي الفلسطينية المحتلة المهشم والممزق.(46) لكن بعد كفاح مسلح لا يمكن الفوز به، ومسار سلمي غير مقنع، ربما يجد الفلسطينيون الذين أنهكتهم الحروب، أن من الصعب مقاومة وعود السلطة الوطنية الفلسطينية.(47) وبغض النظر عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفلسطينيون، وسواء أكانوا يعيشون في "المنطقة ج" بموجب اتفاق أوسلو، الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي العسكرية والمدنية في الضفة الغربية، أم في القدس، أم يعيشون في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، أي تحت الاحتلال غير المباشر، فإن من الطبيعي أن يعلّق العديد منهم أهمية على جودة الحياة، لعلمهم بأن إسرائيل ستنتزع منهم ثمناً باهظاً بالأعناق والأرزاق لمعاقبة أعمال المقاومة.
في هذه الأوضاع، استطاع الإسرائيليون، والمؤسسات المالية الدولية، والجهات المانحة، ووسائل الإعلام، أن يخلطوا عمداً بين فكرة السلام الاقتصادي التي دعا إليها رئيس حكومة إسرائيلية نفّذ في تسعينيات القرن العشرين إصلاحات اقتصادية جذرية لتحرير الأسواق، وبين برنامج بناء الدولة للسلطة الوطنية الفلسطينية الذي هندسه رئيس حكومة فلسطينية طبّق بأمانة الوصفات النيوليبرالية لـ "إجماع ما بعد واشنطن" في ظل نظام الاحتلال. وعليه، لا يوجد حقاً تباين كبير بين المبادرتين في بعض الجوانب. فالمقايضة التي يقترحها السلام الاقتصادي تعني أن يستدفئ كيان فلسطيني يشبه دولة بالنمو الاقتصادي الإسرائيلي، لا بل أن ينعم ببعض النمو أيضاً، لكن في المقابل، سيتوجب عليه تأجيل أو التخلي فعلاً عن النضال في سبيل الحقوق الوطنية الفلسطينية. وما يَعِد به برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية ليس أن كلاً من الطرازين "الملائمين" للدولة ولاقتصاد السوق الحرة قابل للبناء فحسب، بل إنه يمكن تصميمه وتهيئته في ظل استمرار الاحتلال أيضاً، وفي ظل بقاء الحكومة الفلسطينية منقسمة سياسياً وجغرافياً. وفي التواء استثنائي، فإن برنامج السلطة يَعِدُ بأن دولة كهذه، وفي غياب تسوية سلمية تفاوضية، ستتمكن من فرض نفسها ككيان مستقل وقابل للحياة معترف به ومقبول من إسرائيل.

إلاّ إن أكثر ما يقلق هو أن نموذج الدولة المقترح من السلطة الوطنية الفلسطينية هو بالضبط ذاك الذي دمّر اقتصادات سيادية قائمة حول العالم بسبب تطبيق برامج مستوحاة من النيوليبرالية. فكيان كهذا، حتى لو جرى الاعتراف به كدولة، سيكون عاجزاً عن مقاومة سياسات وأوامر وممارسات الاحتلال الإسرائيلي المتواصل أياً يكن شكله، ذلك بأن الحدود الطبيعية اللينة لا تستطيع أن تحمي الأمن القومي الفلسطيني، كما أن الحدود الاقتصادية اللينة لن تتمكن إلاّ من إدامة التبعية لإسرائيل، ثم تحقيق ازدهار شخصي للبعض، وإفقار جماعي لسائر السكان.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة تجارب تنموية أُخرى وملائمة يمكن أن يُحتذى بها، بدءاً من دول أميركا اللاتينية، وصولاً إلى دول جنوب شرق آسيا، هذا من دون ذكر أمثلة من الجوار (إسرائيل). فقد شهدت هذه الدول نمواً اقتصادياً سريعاً ومطرداً من خلال تخطيط وتدخّل متواصلين ومُمنهجين ومنظَّمين مركزياً، من طرف الدولة، كما أن التجربة الفلسطينية فيما يتعلق بتدخّل الحكومة في السوق كانت مختلطة، وشملت أساساً ركائز "إجماع ما بعد واشنطن" الخاصة ببيع موجودات مرافق تابعة للقطاع العام، وبالاستثمار في المشروعات الخاصة (المشتركة في أغلب الأحيان)، فضلاً عن دور للحكومة منظِّم وخافت.(48) ومع ذلك، لا يزال من شبه المستحيل أن نجد أي دليل، تاريخي أو نظري، على نمو اقتصادي مطرد – ولا سيما في سياق بناء الدولة – من دون تدخّل الدولة على نطاق واسع،(49) وهذا بعيد كل البعد عن التدخل الانتقائي لتصحيح السوق، والذي يسمح به "إجماع ما بعد واشنطن".

أمّا البديل، أي سياسة تنموية غير تقليدية (heterodox) من ضروب السياسة الاقتصادية التي همّشها الخطاب النيوكلاسيكي السائد الذي يهيمن عليه المسار الاقتصادي، وممارسات مؤسسات بريتون وودز، فليس موضوع هذه المقالة. لكن يبدو أن الملكية العامة، والخدمات العامة، والاستثمار العام، والرعاية الاجتماعية العامة، هي مفتاح ابتكارات السياسة التي ستبزغ في المرحلة المقبلة، وتجري حالياً إعادة ضبط الحكمة التقليدية، ليس فقط استجابة لطبيعة "السلع العامة" (public goods) التي تتصف بها الحوكمة الاقتصادية، بل اعترافاً بحقيقة أن تنوّع تجارب التنمية يستدعي مجموعة متنوعة من استجابات السياسة العامة ومن الأشكال المؤسساتية أيضاً.(50)
علاوة على ذلك، فإن عقوداً من العلاقات الاقتصادية الفلسطينية – الإسرائيلية أظهرت أن أي استراتيجيا تنمية اقتصادية فلسطينية لن يكون في إمكانها أن تكون فاعلة إلاّ إذا جرى تفكيك سياسة الاحتلال الإسرائيلي القائمة على الاحتواء غير المتناظر، وذلك من خلال إنهاء الاحتلال وتحقيق السيادة والحقوق الوطنية. وبما أن هذا ليس وشيكاً، وبما أن الخطاب العام النيوليبرالي راسخ، فإنه يبدو من المنطقي الاستنتاج أن سردية السلطة الوطنية الفلسطينية لبناء الدولة هي "اللعبة الوحيدة في البلدة" كما يصفها توني بلير.(51)

أمّا السيناريوهات الأُخرى، كالتخلي عن تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية برمّتها، وترك حكم المناطق المحتلة لإسرائيل، أو لمجلس وصاية دولية، فتبدو بعيدة الاحتمال، ذلك بأن "ألعاباً جديدة" كهذه، تشكل قطيعة حاسمة مع خمسة عشر عاماً من الإدارة الذاتية تحت الاحتلال، ورجوعاً عنها. وحتى لو وضعنا جانباً الفائدة السياسية من تأجيل إنهاء الصراع إلى حين تصبح موازين القوة أقل رجحاناً ضد المصالح الفلسطينية، فإنه يجب عدم تجاهل فضائلها الاستراتيجية الممكنة بالنسبة إلى الاقتصاد، لأن تغيير قواعد اللعبة ربما يحول دون تضمين الانتهاكات النيوليبرالية الحالية للسياسة الاقتصادية وللإطار القانوني الفلسطينيَّين، في ترتيبات الوضع النهائي، وربما يفسح وقتاً أكبر لاعتبار خيارات سياسة أُخرى ضمن سياق أوسع. وحتى لو عَنَت سيناريوهات سياسية بديلة كهذه، قيام إدارة نيوليبرالية مماثلة (إسرائيلية أو عالمية)، فإنها، مجدداً، قد تنقل النقاش بشأن الحيز الاقتصادي والاستراتيجيا السياسية لفلسطين، إلى أرض الواقع الذي يعانيه شعب مستعمَر، منقوص السيادة، ويناضل في سبيل التحرر.

ومع عدم وجود خيارات كهذه، فإن من الأسلم أن نفترض أن منظمة التحرير الفلسطينية، أو ما تبقّى منها، والتي تفتقر إلى مثل هذه الخيارات، لن تنحني وتنسحب تاركة الشعب الفلسطيني يواجه قدره تحت الاحتلال إلى أجل غير مسمى، كما أنه من المستبعد أن تتحقق السيناريوهات المذكورة أعلاه. لكن في معرض احتمال استمرار السلطة الوطنية الفلسطينية كحكومة غير سيادية، ألا توجد بدائل اقتصادية تستطيع الحكومة السعي لاعتمادها في حال أرادت وضع أساس يمكن البناء عليه لتحقيق السيادة وإقامة الدولة؟

وإذا افترضنا جدلاً أن نيوليبرالية السلطة الوطنية الفلسطينية سيجري طرحها جانباً في الغد، فإنه يصبح ممكناً تصوّر استراتيجيا مجدية وقادرة على مواجهة الاحتواء الإسرائيلي غير المتناسق وتداركه، من خلال ما ربما تصلح تسميته "المقاومة الاقتصادية". وقد لا يؤدي هذا الخيار إلى نمو كبير أو متواصل، لكن من شأنه وقف أو عكس اتجـاه دورة نكوص التنمية (de-development) الجارية، كما أن من شأن مسار صنع القرار التنموي بالمشاركة أن يضع اقتصاداً مزقته الحرب على أساس متين يمكّنه من مواجهة إكراهات فرضها احتلال طال أمده.

وغني عن القول أن رجوع السلطة الوطنية الفلسطينية عن النيوليبرالية لن يعني حدوث تحولات سياسية واجتماعية كبرى فحسب، بل ذلك يفترض أيضاً نقلة حاسمة في طريقة التفكير الاقتصادي الفلسطيني بشأن السياسة العامة، وقصور آليات الأسواق، والحاجة إلى توجيه وتشجيع التراكم الرأسمالي الذي يدعم القدرة الإنتاجية. ففي سيناريو كهذا، يجب تدعيم القوة الاقتصادية الفلسطينية، كما هي عليه الآن، في نضال، من أجل استعادة حيّز السياسة الوطني، ولتقليص السيطرة الإسرائيلية من خلال إجراءات اقتصادية احادي الطرف إذا كانت مجدية، والكفاح ضد القيود الإسرائيلية، من خلال اجراءات حافة الهاوية، ودفع الإسرائيليين إلى نفاد صبرهم.
والهدف هو البحث الجدي عن ترتيبات جديدة تسمح بالانفصال بالتدريج عن الاقتصاد الإسرائيلي، حتى لو كان لا بد من الخضوع للسيطرة الأمنية والاستعمارية الإسرائيلية. فالمهم هو ألاّ تخضع السياسة الاقتصادية الفلسطينية تحت الاحتلال إلى برنامج تكوين للدولة منفصل عن الوقائع السياسية، ومُضلَّل بنظرية اقتصادية خطأ، وعرضة للخطر بسبب الفراغ الناجم عن تشظي الحركة الوطنية الفلسطينية، بينما المطلوب هو عملية بناء الدولة تكون نتيجةَ، بين أمور أُخرى، لبرنامج مقاومة اقتصادية، مُقَرّ علنياً، ومتواصل ودؤوب، ومفصّل على مراحل، الأمر الذي بدوره يستدعي سياسات تجارية نشيطة تهدف إلى تنويع الأسواق التجارية والصادرات الفلسطينية كوسيلة لتقليص الارتهان الطاغي للتجارة مع، أو عبر الجانب الإسرائيلي. لكن السؤال المطروح هو: هل فات الأوان يا ترى، وهل وصل تغلغل الفيروس النيوليبرالي في جسم مؤسسة صنع السياسة الفلسطينية ومؤيديها إلى حدّ جعل السردية البديلة (وفي الواقع السردية الأصلية) الخاصة بـ "تحرير الأرض والانسان" مجرد إرث من الماضي؟

القوة والقبول والإقناع
من المعروف أن استطلاعات الرأي الفلسطينية بشأن التطورات السياسية غير موثوق بها، ويجب تفسير نتائجها بعناية.(52) ومع ذلك، فإن استطلاعاً للرأي في الآونة الأخيرة أظهر أن أغلبية كبيرة من الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، مؤيدة جداً لسلام فياض وسياساته: 82% من المستطلَعين يعتقدون أن سياساته "تخدم المصلحة الفلسطينية"، و72% منهم يعتبرون "أن في استطاعته أن يكون رئيس السلطة الوطنية المقبل"، على الرغم من أن 54% من المستطلَعين لا يعتقدون أن برنامجه لإقامة الدولة سيحقق هدفه المعلن.(53)
قد تبدو هذه النتائج متناقضة مع زعمنا أن برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية ينطوي على تضمينات مسيئة للمجتمع الفلسطيني وللنضال في سبيل التحرير، إلاّ إنها، وبكل تأكيد، تُظهر أن عامة الناس (في الضفة الغربية أكثر منهم في قطاع غزة) يعترفون بتحسّن توفير الخدمات العامة والأمن الداخلي. كما يبدو أنها تشير إلى أنه على الرغم من أن الفلسطينيين، في معظمهم، لا يعتقدون أن برنامج سلام فياض سينجح في تحقيق هدفه، فإنهم ينسبون المشكلة ليس إلى البرنامج بحد ذاته، بل إلى التعنت الإسرائيلي. وبالتالي، فإن هذه النتائج ربما تعني أن هذا التأييد لا يعكس اقتناعاً كبيراً بصحة البرنامج بقدر ما يعكس نقصاً عاماً في البدائل، في خضم شقاق سياسي عميق، من دون ذكر الاعتماد المادي على ما توفّره السلطة الوطنية الفلسطينية من خدمات ووظائف وبنية تحتية.
ومع أن هذه النتائج غير حاسمة، إلاّ إنه من المهم أن نضعها في سياق أوسع، مادياً وتاريخياً واجتماعياً. وفي البداية، فإن أي محاولة لفرض الهيمنة النيوليبرالية لا تعتمد على القوة فحسب (بما في ذلك العنف الرمزي)،(54) بل على الوكالة (agency) المحلية للقبول النشيط (أو التعاون المباشر)، وعلى مهارة الإقناع أيضاً. وباعتراف الجميع، فإن الحدود بين القبول النشيط والإقناع والقوة، ربما يكون بعضها مفتوح على بعضها الآخر، والنقاش التالي لا يمكنه إلاّ أن يلمّح إلى التفسيرات الممكنة لـ "التأييد" الذي تحظى به الأجندة النيوليبرالية للسلطة الوطنية الفلسطينية داخل المجتمع الفلسطيني.
ويتصل القبول النشيط مباشرة بتحقيق ونيل المكافآت، الرمزية أو المادية، وتتكون شرائح المجتمع الفلسطيني التي توافق بنشاط على الأجندة النيوليبرالية وتدفعها قدماً، من المسؤولين في أعلى مراتب السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن قطاع المنظمات غير الحكومية، ومن جزء من الطبقة الرأسمالية المنتفعة من إصلاح القطاع الأمني ومن الانتعاش الاقتصادي الذي تجيزه إسرائيل في الضفة الغربية. وتشمل الشريحة الأخيرة قطاع الخدمات ذا القيمة العالية، والذي يتشكّل من المصارف، وشركات التأمين، وقطاع تكنولوجيا المعلومات، ومن المطاعم والفنادق والعقارات. وهذه المجموعات كلها، لديها مصلحة مادية في إدامة الوضع الراهن السياسي.
لقد أدت المنظمات غير الحكومية المموَّلة من المانحين الدوليين دوراً مهماً بشكل بارز على هذا الصعيد. فمنذ إطلاق مسار أوسلو، كانت المنظمات غير الحكومية هي أول قطاعات المجتمع المدني الفلسطيني التي احتضنت النيوليبرالية، ومثّلت وسيلة نقل لنموذجها التنموي.(55) علاوة على ذلك، فإن "صناعة التنمية" (وشركاءَها المحليين) شكّلت – عن قصد أو من دونه – "ماكينة مضادة للسياسة" التي عملت على إبعاد المجتمع الفلسطيني عن التسييس، مما أطالت أمد الاحتلال، وأطلقت المسيرة الطويلة نحو الهيمنة النيوليبرالية التي وجدت تجلّيها المحكم في برنامج بناء الدولة للسلطة الوطنية الفلسطينية.(56)
ويهدف الإقناع إلى إعادة إنتاج أيديولوجيا معينة وتأهيلها اجتماعياً من خلال تفاعل دينامي بين الحوافز المادية من جهة، والرأي العام الذي يساهم في تشكيله كل من وسائل الإعلام، والمؤسسات التعليمية، ومجموعات التفكير، أو المثقفين، من جهة أُخرى. فالإقناع يفعل فعله من خلال حوافز الأجور المرتفعة التي تُدفع في القطاعات التي تشهد نمواً، ورواتب الوظيفة العامة المنتظمة، وأيضاً من خلال الوعد بالحراك بالنسبة إلى خريجي الجامعات، أو إلى الذين يأملون بالانتفاع من النمو الاقتصادي.
ولا يقتصر الأمر على إقناع الطبقة الوسطى، ذلك بأن الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، والمعروضة كبديل من تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية، متناقضة مع الازدهار الاقتصادي في رام الله، كفعل برهان على ثمن المقاومة، وكعامل إغراء موجّه إلى جميع الطبقات الاجتماعية والمناطق في الأراضي المحتلة. فسياسة الإقناع وخطابه، بتشديدهما على البراغماتية والاعتدال والتكيّف، ليسا جديدين على المجتمع الفلسطيني، وإنما يُربطان عادة بجعل المواقف السياسية (المتغيرة) لمنظمة التحرير الفلسطينية تتأقلم وفق مجتمعها،(57) لكنهما عندما يُقدَّمان بالثوب العصري الذي تطرحه مناشدة سلام فياض، فإنهما يحملان مدلولاً وغاية جديدين اليوم. وفي الوقت نفسه، فإن مضمون إقناع حكومة "حماس"، في شقّه الاقتصادي على الأقل، مشابه لذلك، بحسب ما يوحي به افتتاح مجمّع تسوّقي وتدشين فندق فخم [في قطاع غزة]. ومع ذلك، تجدر الملاحظة إلى أن حركة "فتح"، في مؤتمرها الذي عُقد في سنة 2009، وفي الاجتماعات اللاحقة لقيادتها، امتنعت من إقرار برنامج بناء الدولة رسمياً، على الرغم من الجهود التي بُذلت لحثّها على ذلك. ومع أن مناورة فياض السياسية، والارتياب من طموحه السياسي، ربما يفسران هذه الممانعة، إلاّ إنها قد تؤشر أيضاً إلى وجود عدم استعداد للخضوع لتضمينات الانعطافة النيوليبرالية كافة.
ونحن كاقتصاديين، ندرك أهمية الدور الذي يؤديه الاقتصاد بصفته فرعاً من فروع المعرفة، وكذلك الاقتصاديون الفلسطينيون كممثلين عن هذه المهنة، في مرحلة ما بعد أوسلو – وإن كنا نعترف بأن سلطتهم الفعلية هي أقل مما يعتقدون.(58) فقد ساهم الاقتصاديون، من خلال نشر المعرفة الاقتصادية في الجامعات، وفي مجموعات التفكير، والوزارات، والمنظمات الدولية، وبصورة مجزية لهم غالباً، في ترسيخ الهيمنة النيوليبرالية. وبقدر ما تسوء الأوضاع السياسية الميدانية، بقدر ما تكون مخططاتهم/برامجهم (blueprints) منفصلة عن هذه الوقائع.(59) بيد أن من يتهمهم بجهل الحقائق يفوّت المقصد، لأنهم اختاروا عن وعي عدم عرضها كي لا يُذوّبوا "المحتوى العلمي" لتحليلهم الاقتصادي.
وتتجلى محصلة هذا التحليل في معتقدات شعبية مستجدة تساوي بين التجارة الحرة والحرية، وبين تملّك منزل وبناء الدولة، وبين مصرف مركزي مستقل والاستقلال السياسي. وبالتالي، لا مفر من أن يزوّد هذا التحليل الجانب الإسرائيلي بمادة تمكّنه من كسب الدعم الدولي – والفلسطيني – لاستراتيجيا السلام الاقتصادي، وفي الوقت ذاتـه، أن يزوّد القيادة الفكرية بما يلزم لتعزيز المشروع السياسي بامتيـاز لنيو – لَبْرَلة المجتمع الفلسطيني، ومن ثم، للتخلي فعلياً عن تحريره. وتتجلى سخرية الموقف في أن الدبلوماسيين الإسرائيليين يوزعون في المحافل الدولية، تقارير فلسطينية تعرض صيرورة المعجزة الاقتصادية الحالية في الضفة الغربية، دعماً للمزاعم الإسرائيلية بشأن نجاحات السلام الاقتصادي.
وعلى حد قول كارل ماركس يوماً، فإن "سلاح النقد لا يستطيع، طبعاً، أن يحل محل نقد السلاح، فالقوة المادية يجب أن تطيحها قوة مادية أُخرى؛ لكن النظرية تصبح قوة مادية إذا ما استحوذت على الجماهير."(60) وعندما نتأمل في هذا القول، يظهر لنا أن من الضروري تفكيك النظرية والقوات المادية التي تدعم برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية لإقامة الدولة، كي تساهم نظرية أُخرى سديدة وذات معنى في "تحرير الأرض والانسان".

(*) رجا الخالدي من كبار الاقتصاديين العاملين في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد، جنيف). إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر عن آراء الأمانة العامة للأمم المتحدة.
 صبحي سمّور باحث واقتصادي يحضّر حالياً أطروحة الدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن.
عن: Journal of Palestine Studies 158, vol. XL, no. 2 (Winter 2011), pp. 6-25.
ترجمة: يولا البطل.
المصادر
(1) As’ad Ghanem, Palestinian Politics after Arafat: A Failed National Movement (Bloomington: Indiana University Press, 2010).
(2) انظر على سبيل المثال: Paul Baran, The Political Economy of Growth (New York: Monthly Review Press, 1967); Frantz Fanon, The Wretched of the Earth (London: Penguin Books, 2001). ولنظرة تاريخية عامة، انظر على سبيل المثال: Vijay Prashad, The Darker Nations: A People’s History of the Third World (New York: New Press, 2008).
(3) Patrick Bond, Elite Transition: From Apartheid to Neoliberalism in South Africa (London: Pluto Press, 2000); Jan Toporowski, “Neoliberalism: The Eastern European Frontier”, in Alfredo Saad-Filhi and Deborah Johnson, eds., Neoliberalism: A Critical Reader (London: Pluto Press, 2005), pp. 211-221.
(4) Khalid Farraj, Camille Mansour, Salim Tamari, “A Palestinian State in Two Years: Interview with Salam Fayyad, Palestinian Prime Minister”, Journal of Palestine Studies 153, vol. XXXIX, no. 1 (Autumn 2009), pp. 58-74; Nasr Abdul Karim, Khalid Farraj, Salim Tamari, “The Palestinian Economy and Future Prospects: Interview with Mohammad Mustafa, Head of the Palestine Investment Fund”, Journal of Palestine Studies 155, vol. XXXIX, no. 3 (Spring 2010), pp. 40-51.
(5) ليس للسلطة الوطنية الفلسطينية أي سيطرة على قطاع غزة، وباستثناء بعض الفقرات العابرة، فإن برنامج إقامة الدولة يتجاهل هذا الجزء من المناطق المحتلة.
(6) لقد استند البحث في السياسة الاقتصادية للسلطة الوطنية الفلسطينية إلى المقابلتين مع كل من مصطفى وفياض، وإلى ثلاث وثائق رئيسية هي: Palestinian Reform and Development Plan (Ramallah: Palestinian National Authority, 2008); Ending the Occupation, Establishing the State (Ramallah: Palestinian National Authority, 2009); Homestretch to Freedom (Ramallah: Palestinian National Authority, 2010).
(7) لقد أشارت أولى الاتفاقيات الفلسطينية - الإسرائيلية لسنة 1993 إلى السلطة الفلسطينية المستقبلية على أنها "سلطة الحكم الذاتي الانتقالية الفلسطينية".
(8) انظر على سبيل المثال: Raja Khalidi and Sahar Taghdisi-Rad, The Economic Dimensions of Prolonged Occupation: Continuity and Change in Israeli Policy Towards the Palestinian Economy (New York; Geneva: United Nations Conference on Trade and Development, 2009).
(9) Gwen Ackerman and Jonathan Ferziger, “Fayyad says Building State Institutions Will Make Palestine Inevitable”, Bloomberg, 18 October 2010,
http://www.bloomberg.com/news/2010-10-18/fayyad-says-building-state-institutions-will-make-palestine-inevitable.html.
(10) Jonathan Ferziger, “Palestinian Economy May Grow 20% with Peace Agreement, Abbas Adviser Says”, Bloomberg, 4 August 2010,
http://www.bloomberg.com/news/2010-08-04/palestinian-economy-may-grow-20-with-peace-agreement-abbas-adviser-says.html.
(11) سلام فياض ومحمد مصطفى هما من أبرز وأقدم صنّاع السياسة الاقتصادية للسلطة الوطنية الفلسطينية منذ سنة 2005. وقبل هذا التاريخ، عمل سلام فياض في البنك الدولي، ثم مثّل، لاحقاً، صندوق النقد الدولي لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، بينما مثّل محمد مصطفى البنك الدولي لدى تلك السلطة.
(12) انظر على سبيل المثال تقارير التنمية الدولية الصادرة عن البنك الدولي، التالية: The State in a Changing World (Washington, D.C.: The World Bank Group, 1997); Building Institutions for Markets (Washington, D.C.: The World Bank Group, 2002); Making Services Work for Poor People (Washington, D.C.: The World Bank Group, 2004); Conflict, Security and Development (Washington, D.C.: The World Bank Group, 2011).
ولنقد الارتباط مع "إجماع ما بعد واشنطن"، انظر على سبيل المثال:
Ben Fine, Costas Lapavitsas, Jonathan Pincus, eds., Development Policy in the Twenty-First Century: Beyond the Post-Washington Consensus (London: Routledge, 2011).
(13) David Craig and Doug Porter, Development Beyond Neoliberalism? Governance, Poverty Reduction and Political Economy (London: Routledge, 2006), pp. 63-94.
(14) انظر على سبيل المثال: Mushtaq Khan, “ 'Security First' and Its Implication for a Viable Palestinian State”, in Michael Keating, Anne Le More, Robert Lowe, eds., Aid, Diplomacy and Facts on the Ground: The Case of Palestine (London: Chatham House, 2005), pp. 59-73.
(15) Palestinian National Authority, Homestretch to Freedom, op. cit., pp. 3-4.
(16) Palestinian National Authority, Ending the Occupation, Establishing the State, op. cit., p. 11.
(17) Palestinian National Authority, Homestretch to Freedom, op. cit., p. 4.
(18) انظر على سبيل المثال: United Nations Conference on Trade and Development, Trade and Development Report (New York; Geneva: UNCTAD), 2010.
(19) تحمل النسخة العربية لوثيقة السلطة الوطنية الفلسطينية Homestretch to Freedom عنوان: "موعد مع الحريّة".
(20) من أجل النقاشات النقدية القليلة لبرنامج الإصلاح والتنمية الفلسطيني ولبرنامج السلطة الوطنية الفلسطينية لإقامة الدولة، انظر: Adam Hanieh, “Palestine in the Middle East: Opposing Neoliberalism and US Power”, Socialist Voice, 23 July 2008, http://www.socialistvoice.ca/?p=311; Mandy Turner, “The Power of 'Shock and Awe': The Palestinian Authority and the Road to Reform”, International Peacekeeping, vol. 16, no. 4 (August 2009), pp. 562-577; Rafeef Ziadah, “What Kind of Palestinian State in 2011?” The Bullet (blog), Socialist Project, 21 April 2010, http://www.socialistproject.ca/bullet/339.php.
وقد ساهمت هيئات دولية مثل الأونكتاد ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وصندوق اغاثة الاطفال، بتركيزها على قيود الاحتلال الإسرائيلي المعوقة للتنمية والنمو، في إبقاء برنامج بناء الدولة في منظوره التجريبي الملائم.
(21) Richard Peet, Unholy Trinity: The IMF, World Bank and WTO (London: Zed Books, 2003); Robert Wade, “U.S. Hegemony and the World Bank: the Fight over People and Ideas”, Review of International Political Economy, vol. 9, no. 2 (2002), pp. 215-243.
(22) Hanieh, op. cit.; Pete Moore, “QIZs, FTAs, USAID and the MEFTA: A Political Economy of Acronyms”, Middle East Report, no. 234 (2005), pp. 18-23.
(23) انظر على سبيل المثال: Timothy Mitchell, “Dreamland: The Neoliberalism of Your Desires”, Middle East Report, no. 210 (1999), pp. 28-33; Joel Beinin, “The Working Class and Peasantry in the Middle East: From Economic Nationalism to Neoliberalism”, Middle East Report, no. 210 (1999), pp. 18-22; Anne Marie Baylouny, “Militarizing Welfare: Neoliberalism and Jordanian Policy”, Middle East Journal, vol. 62, no. 2 (2008), pp. 277-303; Karen Pfeifer, “How Tunisia, Morocco, Jordan and even Egypt Became IMF 'Success Stories' in the 1990s”, Middle East Report, no. 210 (1999), pp. 23-27.
(24) Khalid Mustafa Medani, “State Building in Reverse: The Neo-Liberal 'Reconstruction' of Iraq”, Middle East Report, no. 232 (2004), pp. 28-35.
(25) Stanley Fischer, Leonard J. Hausman, Anna D. Karasik, Thomas Schelling, eds., Securing Peace in the Middle East: Project on Economic Transition (Cambridge, MA: MIT Press, 1994); The World Bank Group, Investing in Peace (Washington, D.C.: The World Bank Group, 1993).
(26) Khalil Shikaki and Yazid Sayigh, Strengthening Palestinian Public Institutions (New York: The Council on Foreign Relations, Independent Task Force Report, 1993).
(27) International Monetary Fund, Economic Performance and Reform under Conflict Conditions (Washington, D.C.: IMF, 2003).
(28) جرى الترويج لمؤتمر فلسطين الأول للاستثمار تحت شعار "فلسطين تقيم احتفالاً والعالم كله مدعو".
(29) Agence France Presse, “Israel Has 'Green Concerns' over Palestinian City”, eNews.ma, 6 October 2010, http://www.enews.ma/israel-have-green_i190173_0.html.
(30) لكن بحسب ما لاحظ مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فإنه "من أجل الأغراض العملية كلها، إن أدوات السياسة المالية المتوافرة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية محصورة بكيفية توزيع بنود الإنفاق، والتي تشكل حيّز سياسة أضيق مما هو متوفر لدى الحكومات المحلية في عدة بلاد." انظر:
UNCTAD, Policy Alternatives for Sustained Palestinian Development and State Formation (New York; Geneva: UNCTAD, 2009) p. 11.
(31) Palestinian National Authority, Palestinian Reform and Development Plan, op. cit., p. 14.
(32) Hanieh, op. cit.
(33) Palestinian National Authority, Palestinian Reform and Development Plan, op. cit., p. 14.
(34) International Crisis Group, “Ruling Palestine II: The West Bank Model”, Middle East Report,
no. 79 (2008), p. 22.
(35) Ebrahim Harvey, “Managing the Poor by Remote Control: Johannesburg’s Experiments with Prepaid Water Meters”, in David Alexander McDonald and Greg Ruiters, eds., The Age of Commodity: Water Privatisation in Southern Africa (London: Earthscan, 2005), pp. 120-130.
(36) انظر على سبيل المثال: UNCTAD, Report on UNCTAD Assistance to the Palestinian People: Developments in the Economy of the Occupied Palestinian Territory, UNCTAD Trade and Development Board, 57th Session (Geneva: UNCTAD, 13 July 2010).
(37) هذه البيانات الإحصائية منشورة في تقارير متعددة صادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني المركزي التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية (رام الله: جهاز الإحصاء الفلسطيني المركزي، 2010)، http://www.pcbs.gov.ps/Default.aspx?tabID=1&lang=en.
(38) انظر على سبيل المثال: The World Bank Group, The Underpinnings of the Future Palestinian State: Sustainable Growth and Institutions, Economic Monitoring Report to the Ad Hoc Liaison Committee (New York: the World Bank Group, 21 September 2010); Oussama Kanaan, Javier Gomez, Mariusz Sumlinski, Macroeconomic and Fiscal Framework for the West Bank and Gaza: Sixth Review of Progress, Staff Report for the Meeting of the Ad Hoc Liaison Committee (New York: IMF, 21 September 2010).
(39) إن قانون الخدمة المدنية "المحدث" للسلطة الوطنية الفلسطينية يجيز التقاعد المبكر من الوظيفة العامة في سنّ الخامسة والأربعين أو بعد عشرين عاماً من الخدمة، وقد أضيف هذا البند لفسح المجال أمام تقاعد الجيل العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية.
(40) انظر: Nathan Brown, Are Palestinians Building a State? (Washington, D.C.: Carnegie Endowment for International Peace, June 2010).
(41) Michael Herzog, The Middle East Security Agenda: An Israeli Assessment (Washington, D.C.: The Washington Institute for Near East Policy, May 2009), http://www.washingtoninstitute.org/templateCO7.php?CID=459
(42) وصل عديد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية في نهاية سنة 2010، إلى أدنى مستوياته منذ انتهاء الانتفاضة الأولى. انظر: Anshel Pfeffer, “West Bank Sees Lowest IDF Troop Levels Since First Intifada”, Ha’Aretz, 28 November 2010.
(43) لقد تحدّث رئيس الحكومة سلام فياض علناً ضد ممارسات التعذيب، وفي أيلول/سبتمبر 2009 أعطى أجهزة الأمن أوامر صريحة بوقف هذه الممارسات، لكن تبيّن أن التعذيب بات ظاهرة متكررة، بحسب ما جاء في التقرير التالي لهيومن رايتس ووتش: Human Rights Watch, West Bank: Reports of Torture in Palestinian Detention (New York: HumanRights Watch, 20 October 2010), http://www.hrw.org/en/news/2010/10/20/west-bank-reports-torture-palestinian-detention.
(44) إن تشيلي في عهد بينوشيه هي المثل الأقصى لما يمكن أن تكون عليه "النيوليبرالية السلطوية".
(45) Hussein Ibish and Michael Weiss, “The Future Palestinian State Takes Root”, The Wall Street Journal, 2 September 2010, http://online.wsj.com/article/SB10001424052748704476104575439441883157542.html.
(46) هناك مثالان بارزان لمراجعة "إجماع ما بعد واشنطن" التي تتم حالياً، هما: التحليل الجديد لاستراتيجيات التنمية، ومراجعة مغزى التصويب على التضخم (إحدى ركائز السياسة الاقتصادية – الكبرى السليمة). انظر على سبيل المثال: Francis Fukuyama, Brian Levy, Development Strategies: Integrating Governance and Growth, World Bank Policy Research Working Paper, no. 5196 (Washington, D.C.: The World Bank Group, January 2010); Olivier Blanchard, Giovanni Dell’Ariccia, Paolo Mauro, Rethinking Macroeconomic Policy, IMF Staff Position Note (Washington, D.C.: IMF, 12 February 2010); World Bank Chief Economist and Vice President Justin Yifu Lin and Celestin Monga, Growth Identification and Facilitation: The Role of the State in the Dynamics of Structural Change, Policy Research Working Paper, no 5313 (Washington, D.C.: The World Bank Group, 2010).
(47) Eqbal Ahmad, Confronting Empire: Interviews with David Barsamian (Cambridge MA: South End Press, 2000).
(48) في الوقت الذي تقول سردية السلطة الوطنية الفلسطينية السائدة حالياً إن تدخل القطاع العام في الاقتصاد في عهد عرفات كان مسيئاً، تنظر تحاليل أُخرى إلى إدارة الريع على أنها أداة سياسية اقتصادية ممكنة وقادرة على تقليص سياسات الاحتواء غير المتناظر الإسرائيلية. انظر على سبيل المثال:
Mushtaq H. Khan, George Giacaman, Inge Amundsen, eds., State Formation in Palestine: Viability and Governance During a Social Transformation (London: Routledge, 2004).
(49) Alice H. Amsden, Asia’s Next Giant: South Korea and Late Industrialization (Oxford: Oxford University Press, 1989); Ha-Joon Chang, Kicking Away the Ladder: Development Strategy in Historical Perspective (London: Anthem Press, 2002); Jonathan Nitzan and Shimshon Bichler, The Global Political Economy of Israel (London: Pluto Press, 2002); Robert H. Wade, Governing the Market: Economic Theory and the Role of Government in East Asian Industrialization (Princeton: Princeton University Press, 1990).
(50) Jomo K.S., Ben Fine, eds., The New Development Economics: After the Washington Consensus (London: Zed Books, 2002).
(51) Ian Black, “Israel Independence Day Overshadowed by Controversy”, Guardian, 19 April 2010, http://www.guardian.co.uk/world/2010/apr/19/israel-independence-day-overshadowed controversy.
(52) جميع هذه الاستطلاعات، على سبيل المثال، توقع فوز حركة "فتح" في انتخابات 2006.
(53) Near East Consulting, NEC’s Monthly Monitor of Palestinian Perceptions towards Politics and Religion with a Special Focus on the Attitude towards the Performance of Salam Fayyad (Ramallah: Near East Consulting, April-May 2010), http://www.neareastconsulting.com/surveys/all/files/2010/PPPApril-May2010final.pdf.
(54) إن مفهوم العنف الرمزي لدى بيار بورديو يشير إلى الأشكال الثقافية والاجتماعية المضمرة للسيطرة المؤدية إلى إقصاءٍ وتهميش بنياني لأولئك الذين لا يحتضنون أيديولوجيات الهيمنة. انظر على سبيل المثال:
Anna Leander, “Pierre Bourdieu on Economics”, Review of International Political Economy, vol. 8,
no. 2 (2001), pp. 344-353.
(55) Linda Tabar and Sari Hanafi, The Emergence of a Palestinian Global Elite: Donors, International Organizations and Local NGOs (Washington, D.C.: Institute for Palestine Studies, 2005).
(56) Sobhi Samour, “Review of Michael Keating et al., eds., 'Aid, Diplomacy and Facts on the Ground: The Case of Palestine' ”, in The Palestine Yearbook of International Law 14 (2006/2007), 2009, pp. 325-332.
ومن أجل الاستخدامات الأساسية للاستعارات، انظر:
James Ferguson, The Anti-Politics Machine: 'Development', Depoliticisation, and Bureaucratic Power in Lesotho (Cambridge: Cambridge University Press, 1990).
(57) Emile Sahliyeh, “The West Bank Pragmatic Elite: The Uncertain Future”, Journal of Palestine Studies 60, vol. 15, no. 4 (1986), pp. 34-45; Joseph Massad, “Political Realists or Comprador Intelligentsia: Palestinian Intellectuals and The National Struggle”, Critique (Fall 1997),
pp. 23-35; Lori A. Allen, “Palestinians Debate 'Polite' Resistance to Occupation”, Middle East Report, no. 225 (2002), http://www.merip.org/mer/mer225/225_allen.html.
(58) غني عن القول أن الانفصال عن الواقع لا يقتصر على مهنة الاقتصاديين الفلسطينيين فحسب، بل يلاحظ أيضاً لدى طيف من ممارسي مهن العلوم الإنسانية والأدبية.
(59) انظر على سبيل المثال: David Cobham and Numan Kanafani, eds., The Economics of Palestine: Economic Policy and Institutional Reform for a Viable Palestinian State (London: Routledge, 2004); Arie Arnon and Saeb Bamya, Economic Dimensions of a Two-State Agreement between Israel and Palestine (Marseille: Aix Group, November 2007).
(60) Karl Marx, “Contribution to the Critique of Hegel’s Philosophy of Law”, in Karl Marx and Frederick Engels, Collected Works, vol. 3 (New York: International Publishers, 1975), p. 182.


لا يوجد تعليقات

أضف تعليقك

الاسم/الكنية*:
البلد:
البريد الإلكتروني *:
التعليق على *:
العنوان :
التعليق *:



developed by InterTech