لماذا يعجُّ العالم الغربي بالعلماء والباحثين من العالم الثالث الذين يبدعون في ميادين علمية وتقنية عديدة ؟
هناك كلمة شهيرة للبروفيسور عبد السلام إثر حصوله على جائزة نوبل في الفيزياء، رداً على تساؤل حول كيفية وصوله إلى تلك المرتبة الرفيعة. قال: إنه كان أمام خيار بأن يبقى في الباكستان أو يسعى في طلب العلم خارج الباكستان، فاختار الثانية، وبذلك وصل إلى ما وصل إليه.
والعالم الغربي يعجُّ بالعلماء والباحثين من العالم الثالث الذين يبدعون في ميادين علمية وتقنية عديدة. وتبلغ نسبة الذين يُعدّون أطروحات الدكتوراه في المواضيع العلمية من الأجانب في الجامعات الأمريكية حوالي 70% من الدارسين. ويعلق البعض على ذلك بأن منح الدكتوراه ما هو إلاّ وسيلة هذه الجامعات لاجتذاب أفضل العقول العلمية من العالم الثالث، كما أن مواضيع الأبحاث ما هي في كثير من الأحيان إلاّ حلولاً لمشاكل علمية وصناعية تمولها الشركات الأمريكية.
فلماذا يُبدع أبناء الدول النامية في الدول الصناعية المتقدمة، ولماذا لا يفعلون ذلك في بلادهم؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل بديهية لدى العلماء أنفسهم، ولم يعد فيها سرّ مخفي. فالبيئة المنفتحة التي تشجع الأبحاث وترعاها وتنفق عليها وتوفر لها ما يلزمها والتي تعامل العلماء بالتقدير والمكافآت وفرص الاطلاع والتفاعل، سوف تستمر في اجتذاب نخبة العقول المبدعة من الدول الفقيرة التي لا تقدر أهمية هذا الأمر.
والواقع أن كميات الأبحاث العلمية التي تنشر في دول العالم الثالث هي أكثر مما تعرّضه الإحصاءات الغربية، وذلك لعدة أسباب منها، اللغة ومكان النشر وكونها محلية الموضوع والإفادة، وبالتالي لا تذكر في الاقتباسات العالمية. ولكن الواقع يبقى أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي يرتبط بالتقدم العلمي والتكنولوجي، كما أوضحت ذلك مراراً دراسات المنظمات الدولية ومؤتمراتها، وتجارب الدول حديثة التصنيع.
والوضع في الدول الإسلامية، ومنها الدول العربية بالطبع، يبدو وكأنه أشدّ قتامة منه في بقية دول العالم الثالث عامة، بالنسبة للاشتغال الأصيل بالعلم لا مجرد استخدام منتجاته والتعرض لنتائجه. ففي إحصاءات أوردها الأستاذ عبد الهادي بوطالب المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ ايسيسكو ـ أن كل مليون نسمة في العالم الإسلامي ينوب عنهم 127 مشتغلاً بالعلم والهندسة بينما يبلغ الرقم 1247 في الولايات المتحدة، أي عشرة أضعاف، وفي أوروبا يبلغ الرقم 1735، أي حوالي 14 ضعفاً.
وتبلغ نفقات البحث والتطوير بالنسبة للنتاج القومي الإجماعي في دول الشمال 2,23% وفي دول الجنوب 45%، وفي العالم الإسلامي 0,01% ويؤدي ذلك، ضمن ما يؤدي إليه إلى هجرة للعقول بلغت نسبة 50% من مجموع 16500 عالم ومهندس وطبيب التحقوا بالمؤسسات الأمريكية قادمين من البلاد الإسلامية في سنة واحدة. ويتوافر في العالم الإسلامي 960 مركزاً للبحث، أي بمعدل مركز واحد لكل مليون وربع المليون من السكان، بينما يبلغ الرقم المقارن في إسرائيل مثلاً مركزاً علمياً واحداً لكل 78 ألفاً من السكان.
وفي عام 1973، وبعد إلحاح طويل من البروفيسور عبد السلام، أقر المؤتمر الإسلامي إنشاء مؤسسة علوم إسلامية برأسمال بليون دولار، كواحدة من خمسين مؤسسة يجب إنشاؤها قبل نهاية القرن. ولكن بعد عشر سنوات انخفضت ميزانية تلك المؤسسة اليتيمة إلى 50 مليون دولار!
إن الاهتمام بالعلم والتكنولوجيا، في البحث والتدريب والتصميم والإنتاج، لم يعد ترفاً لا نقدر عليه بل حاجة لا نقدر بدونها الخروج من دوّامة الفقر والديون والأُمِّيَّة والمرض والتسلُّط والتبعيّة.
عن: آفاق علمية